الحمد لله كما أمر، وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له على رغم من جحد به أو كفر، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى كل خير, والمحذر من كل شر، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، وكونوا مفاتيح للخير مغاليق للشر، اعملوا بطاعة مولاكم، وبالتقرب إليه بما يرضيه عنكم.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: {سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوتَ خصومٍ في الباب عاليةٍ أصواتهما، وإذا أحدهما يستوضع الآخر، ويسترفقه في شيء، وهو يقول: والله لا أفعل.
فخرج عليهما رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أين المتألِّي على الله لا يفعل المعروف؟ فقال: أنا يا رسول الله! وله أيُّ ذلك أحب} متفق عليه.
فهذا الرجل كان قبل أن يخرج الرسول صلى الله عليه وسلم من بيته ممتنعٌ أن يقبل من أخيه المعذرة، ويطلب منه الرفق والمسامحة، فيحلف بالله ألا يفعل، فلما خرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم مستنكراً لعمله بقوله: {أين المتألي على الله لا يفعل المعروف؟} عدل الرجل عن رأيه، واستجاب لفعل الخير، وقد قامت في نفسه دوافع الخير إرضاءً لله ولرسوله.
أما في زماننا، وفي وقتنا إذا قلنا: اصفح عن أخيك، وتجاوز عنه وستجد أن ما عند الله أعظم أجراً، قال: الآن، أين أنا من يوم القيامة؟ كأنه مستبعد البعث -والعياذ بالله- اتق الله، خاف الله، الآن آخذ حقي، ويوم القيامة لها حلال، هذه لهجتنا العامية التي سارت بيننا إذا حصل الإصلاح، إذا قيل لهم: اتقوا الله خافوا الله، سوف تجدون ذلك عند الله، قال: لا.
آخذ حقي الآن، ويوم القيامة لها حلال.
يوم القيامة أنت أحوج شيء إلى فضل الله ورحمته وإلى عفو الله ومغفرته، إن الله يحب المتجاوزين عن عباده، لقد غفر لعبدٍ من عبيده ما عمل بطاعته إلا أنه كان يتجاوز عن عباد الله، فقال له: {أنا أحق بالتجاوز عنك} هكذا يا أمة الإسلام.
الشاهد من ذلك: خروجه صلى الله عليه وسلم للإصلاح بينهم.
فالدين الإسلامي الحنيف أوجب على العقلاء من الناس أن يتوسطوا بين المتخاصمين، ويقوموا بإصلاح ذات بينهم، ويلزموا المعتدي أن يقف عند حده درءاً للمفاسد المترتبة على الخلاف والنزاع، ومنعاً للفوضى والخصام.
وأضمن الوسائل التي تصفو بها القلوب من أحقادها: أن يجعل كل منا نفسه ميزاناً بينه وبين إخوانه المسلمين، فما يحبه لنفسه يحبه لهم، وما يكرهه لنفسه يكرهه لهم، وبذلك تستقيم الأمور بإذن الله، قال صلى الله عليه وسلم: {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه}.
اللهم طهر قلوبنا من الحسد, والحقد, ومن البغض لعبادك المؤمنين.
عباد الله: صلوا على رسول الله اقتداءً بأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً، صلى الله عليه بها عشراً}.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم اجمع شتات قلوبنا، اللهم املأ قلوبنا من محبتك وخشيتك ومعرفتك، ومن الأنس بقربك يا رب العالمين.
اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وعيوننا من الخيانة، إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم دمّر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم اشدد عليهم وطأتك، ورافع عنهم عافيتك ويدك، اللهم مزقهم كل ممزق، اللهم دمّرهم تدميراً، اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم أرنا وإياهم الحق حقاً وارزقنا وإياهم اتباعه، وأرنا وإياهم الباطل باطلاً وارزقنا وإياهم اجتنابه.
اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم اجعلهم قرة أعين لنا، اللهم أقر أعيننا بصلاحهم يا رب العالمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم.
عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:90 - 91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.