الحمد لله رب العالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه أجْمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى، وتدبروا ما جاء في الكتاب والسنة المطهرة، وتمسكوا بهما، فإن الإعراض عنهما يوحي بوخامة العاقبة.
عباد الله: لقد ظهرت في هذا الزمان موجة قوية من العنف والسخط من بعض أبناء هذا الزمان لآبائهم وأمهاتهم، وعدم الاحترام والتوقير لهما، وما ذاك يا عباد الله! إلا لأننا أعرضنا عن الكتاب والسنة، ففي القرآن والسنة نبأ عظيم، وهو لا شك فيه، أن بر الوالدين فريضة لازمة وواجب محتم، وعقوقهما حرام، وذنب عظيم، وقد جعل الله بر الوالدين قرين توحيده وعبادته، وبيَّن ما يجب لهما، وما لا يحل فعله معهما، فقد قرأتُ عليكم قول الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:23].
عباد الله: بروا آباءكم تبركم أبناؤكم، واعلموا أن سخط الله في سخط الوالدين، وأن رضاه لا يكون إلا إذا رضي عنكم الوالدان، ولا شيء يزيد في العمر، ويبارك في الرزق مثل بر الوالدين، وصلة الأرحام.
عباد الله: ورد في الحديث: {ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، والعاق لوالديه، والديوث، الذي يُقر الخبث في أهله}.
والله يا إخوان! إن أكثر ما يصدر العقوق من مدمني الخمور والمسكرات والمخدرات، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
فالشاهد من هذا الحديث: أن العاق لا يدخل الجنة، ومن عقَّ والده عقَّه أولاده، وكما تدين تُدان، ولا يُجازى فاعل الشر إلا بمثل فعله {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} [الأحقاف:15].
ويا لطول عنائها في حمله ووضعه!
فيا عباد الله: يا من تؤمنون بثواب الله وعقابه! هل امتثلتم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: {إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات} فشكر المنعم واجب شرعاً وعقلاً، ولله تعالى نعمة الخلق والإيجاد، وللوالدين نعمة الإيلاد، والتربية الصالحة، والعناية التامة بالأولاد.
وأعظم الناس مِنَّةً، وأكبرهم نعمة على المرء والداه، اللذان تسببا في وجوده بعد الله عزَّ وجلَّ، واعتنيا به منذ أن كان حملاً إلى أن صار بالغاً تاماً يعقل ويفهم، فالأم تحمله تسعة أشهر في بطنها، تعاني به الآلام، ثم تضعه وتقاسي به الأسقام.
فيا أيها العاق: تُب إلى ربك، ارجع إلى ربك عزَّ وجلَّ، فالأم حنونة، والأب كذلك، عنده من العطف والحنان ما لا يعلمه إلا الله.
فبادر أيها العاق لبر الوالدين قبل أن يفاجِئَك هادم اللذات، أو قبل أن تُرزق بأولاد فيُعمل بك ما عملت بوالديك.
وقد روى الإمام مسلم رحمه الله مما يبين لنا من شفقة الأم وعطفه: تقول عائشة رضي الله عنها: [[جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرةً لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بين ابنتيها]] فأعجب شأنُها عائشة رضي الله عنها، فذكرت الذي صنعت المرأة مع ابنتيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلذلك يا عباد الله! لما كانت هي رحيمة وشفيقة، كان الله أرحم منها وأوسع فضلاً، فما الذي جازاها به يا عباد الله؟!
اسمعوا! يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الله قد أوجب لها الجنة، أو أعتقها بها من النار} فانظروا يا عباد الله! هذا الجزاء من الله!
فيا للأسف الشديد! لما يصنع بعض أهل هذا الزمان مع الوالدين -مع التقصير الشديد- من العقوق والتقصير في الواجبات، فإنا لله وإنا إليه راجعون!
اللهم ردنا إليك رداً جميلاً.
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين.
عباد الله! صلوا على الناصح الأمين محمد بن عبد الله؛ امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56].