فيا إخواني! هؤلاء الذين يفرحون بالجنان، فما بال الذين يعصون الله سبحانه وتعالى، وينتقلون من هذه الدنيا وقد تحملوا الأوزار والسيئات؟! نسأل الله العفو والعافية.
ونحن نذكرهم لأننا إذا ذكرنا دار المتقين ودار الأبرار ودار النعيم واللذة، فلا بد من أن نعرج على ذكر دار المجرمين والعصاة والكفرة؛ لأنه لازم حتى يكون العبد بين الخوف والرجاء، وهذا مذهب السلف الصالح.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يؤمنه الله يوم البعث والنشور، ونسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يساق إلى جنة عرضها السماوات والأرض ولا يجعلنا من أهل النار.
يقول رحمه الله: يا ويل أهل النار قد باءوا بالخيبة والخسران، لقد حق عليهم العذاب، انظر يا أخي الفرق بين أهل النعيم وأهل الجحيم، إنهم في نار جهنم قد غلت أيديهم وأرجلهم إلى النواصي بالأغلال، إنهم في نار جهنم أمانيهم فيها الهلاك، وليس لهم من أسر جهنم فكاك، يسحبون في أودية جهنم على وجوههم صماً وبكماً وعمياً وقد ترداف عليهم العذاب، فتصوروا أهل النار وقد وصلت النار إلى أفئدتهم، تصوروا أهل النار وقد أطبقت عليهم النار، تصوروا أهل النار وهم يضربون بمقامع من حديد، تصوروا أهل النار وقد ازرقت عيونهم من شدة العذاب، تصوروا أهل النار وقد أحرقت وجوههم النار، تصوروا أهل النار والحيات تنهشهم والعقارب تلدغهم، تصوروا أهل النار وقد نضجت جلودهم، وكلما نضجت جلودهم تعاد.
يا ويلهم من نار جهنم عليها ملائكة غلاظ شداد يضربونهم بمقامع من حديد، فيا ويلهم من النار، لهم فيها زفير وشهيق، قد ارتفعت أصواتهم بالبكاء؛ يبكون على تضييع العمر في غير طاعة الله، ينادون مالكاً كما أخبر الله جل وعلا: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:77].
عباد الله! إن سألتم عن أشكال أهل النار:
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع} متفق عليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: {ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد، وغلظ جلده مسيرة ثلاث} رواه مسلم.
وإن سألتم عن ثيابهم:
فقد قال الله تعالى: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} [إبراهيم:50] ويقول جل جلاله: {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج:19].
وإن سألتم عن طعامهم؟
فهو الزقوم والضريع والصديد والغسلين.
وإن سألتم عن شرابهم:
فهم يسقون في النار من عين آنية قد اشتد حرها: {يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً} [الكهف:29] فيا ويلهم من النار، يقول الله جل جلاله: {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:105 - 108] فعند ذلك يرجعون إلى أنفسهم باللوم كما أخبر الله عنهم: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} [الأحزاب:66].
فيا إخواني في الله! أنتم الآن في زمن الإمكان، فالله الله بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعك؛ اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك.
اللهم لا تفرق جمعنا هذا إلا بتوبة نصوح، اللهم ارزقنا توبة نصوحاً، اللهم أحسن ختامنا، واجعل قبورنا روضة من رياض الجنة.
اللهم آمنا يوم الفزع والنشور، اللهم يَمن كتابنا، ويسر حسابنا، وثقل موازيننا، وبيض وجوهنا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.
اللهم اجعلنا على حوض نبينا من الواردين، ولكأسه من الشاربين، اللهم اسقنا منه شربة لا نظمأ بعدها أبداً.
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين، اللهم أصلحنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا وقاداتنا وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين.
{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201].
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.