فيا أخي في الله! مثل نفسك وقد حلت بك السكرات، قال الله تعالى: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] ونزل بك الأنين والغمرات، فمن قائل يقول: إن فلان قد أوصى، ومن قائلٍ يقول: إن فلانٍ ثقل لسانه ولا يكلم أهله وإخوانه، ومع ذلك هو يسمع الخطاب، ولا يقدر على رد
صلى الله عليه وسلم { وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19].
أخي في الله! مثل نفسك وقد أخذت من فراشك ثم نقلت إلى بيت الوحشة والوحدة، بيت الضيق والظلمة، بيت الدود والأهوال المطمة، بيتٌ على قرب المكان، وحيدٌ مع كثرة الجيران، مقيمٌ بين أقوامٍ كانوا فبانوا.
أخي في الله! اسمع إلى هذا الحديث عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: {خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله وكأن على رءوسنا الطير، وفي يده عودٌ ينكت في الأرض فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر، استعيذوا بالله من عذاب القبر، استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاعٍ من الدنيا وإقبالٍ من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس، معهم كفنٌ من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة! اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فيّ السقا فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال صلى الله عليه وسلم: فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأٍ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه به في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا ويستفتحون له فيفتح لهم، فيشيعه من كل سماء مقربوها، إلى السماء التي تليها حتى ينتهوا بها إلى السماء السابعة.
فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟
فيقول: ربي الله.
فيقولان له: ما دينك؟
فيقول: ديني الإسلام.
فيقولان له: ما بال الرجل الذي بعث فيكم؟
فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فيقولان له: وما علمك؟
فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، فينادي منادٍ من السماء: أن صدق عبدي فأفرشوا له من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفتح له في قبره مد بصره.
قال: ويأتيه رجل حسن الوجه، فيأتيه حسن الثياب، طيب الريح فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب! أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي}.
أيها الإخوة والأخوات! نحن الآن في زمن الإمكان، لم نزل ولله الحمد في مهلة والفرصة مهيئة، لم تدن منا لحظة الفراق، فما هو الواجب علينا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟
أيها الإخوة والأخوات! علينا أن نغتنم هذا العمر بطاعة الله عز وجل، ونحذر من هذه الفتن والمغريات، ومن هذه الملذات المحرمة التي انتشرت، نسأل الله عز وجل أن يكفينا شرها إنه على كل شيء قدير.
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي عائشة رضي الله عنها ويقول لها قولي: {اللهم رب محمد النبي صلى الله عليه وسلم اغفر لي ذنبي، وأذهب غيض قلبي، وأجرني من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن} ونحن نسأل الله جل جلاله، أن يغفر لنا ذنوبنا، وأن يذهب غيض قلوبنا، وأن يجيرنا من مضلات الفتن؛ فسارعوا إخواني في الله، سارعوا ما دمتم في زمن الإمكان بالأعمال الصالحة التي ترضي الله عز وجل، واحذروا أن تكونوا من الصنف الآخر الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.