إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، صلوات الله وسلامه عليه، ترك أمته على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله عن أمته خير ما جزى به نبياً عن أمته، اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بكرمك وجودك يا أكرم الأكرمين.
أما بعد:
فيا أيها الإخوة في الله: حياكم الله في بيت من بيوت الله، ومع آية في كتاب الله العظيم، يقول الله فيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].
يا أيها الذين آمنوا! هذا النداء من الله جلَّ وعلا، نداء من الكريم سبحانه وبحمده، ينادي به المؤمنين، وهذا النداء نداء تشريف ينادي به المؤمنين سبحانه وبحمده فيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] أي: اجعلوا بينكم وبين هذه النار وقاية بفعل الأوامر واجتناب النواهي.
ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى، أكثر من الحث على التقوى في عدة آيات من القرآن العظيم؛ لأن تقوى الله سبحانه وتعالى فيها السعادة، والفلاح، والنجاح، قال تعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] هذا النداء من الله، يا أيها الذين آمنوا.
يقول ابن مسعود رضي الله عنه: [[إذا سمعت الله يقول: يا أيها الذين آمنوا، فأرع لها سمعك -أصغ لها سمعك- إما خيراً تدعى إليه أو شراً تحذر عنه]] أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه.
والنداءات التي فيها الحث على تقوى الله سبحانه وتعالى كثيرة في القرآن منها قوله جلَّ وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:102 - 103] ومنها قوله جلَّ وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18].