إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قال وقوله الحق: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى:16 - 17] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل: {لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة، ما سقى منها كافراً شربة ماء} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الإخوة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله أن يجعلنا نتبادل هذه التحية بدار السلام في الفردوس الأعلى.
أيها الإخوة في الله: لا يخفى عليكم أمر الدنيا وحقارتها، فهي حقيرة لا تزن عند الله جناح بعوضة ولو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة؛ ما سقى منها كافراً شربة ماء، ويبين ذلك قوله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران:196 - 197] فهذه الدنيا وإن تمتعوا بها ليلاً ونهاراً فعمرها قليل، وإن أرغدت عليهم فستنقلب، ولكم في ذلك عبرٌ كثيرةٌ تمر ليل نهار عبر ما تشاهدون وتسمعون، ولكن كما قال الله تعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46].
ما أكثر المواعظ يا عباد الله! وما أكثر العبر! ولكن ينقصنا شيء وهو زيادة الإيمان، فإذا زاد الإيمان وتحقق في قلوبنا، عرفنا حقارة هذه الدنيا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات} وهو حديث صحيح يروى لنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية: {حجبت بالمكاره}.
ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً: {ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكبٍ قال تحت شجرة، ثم تركها} هكذا الدنيا يا عباد الله!
ألم تسمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربط على بطنه الحجر من الجوع؟ أليس هذا من حقارة الدنيا؟ بلى.
لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفضل الخلق عند الله على الإطلاق، فلو كانت الدنيا خيراً لما زواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يمر الهلال ثم الهلال ثم الهلال وما أوقد في بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، ويستضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيفاً، ويرسل إلى إحدى زوجاته: هل عندك شيء؟ فتقول: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة وهكذا تسعة بيوت، كل واحدة تقول: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا الماء، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو أفضل الخلق على الإطلاق.
ثم هو يقول لـ عبد الله بن عمر: {كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل} ثم يقول هذا التلميذ الذي تتلمذ على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم: [[إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح]] وهذا يدل على أن عمر الدنيا قصير.