الحمد لله ألّف بالإسلام قلوب المؤمنين، وأوجب عليهم الاتحاد، وحرم عليهم التفرق في كتابه المبين، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا هو العزيز الحكيم، يحكم ما يشاء ويفعل ما يريد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، خير داعٍ إلى الطريق القويم، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه الذين صَفَتْ قلوبهم، واتحدت كلمتهم، والتقت أهدافهم في مصب واحد، وهو إعلاء كلمة الله، وعلى من تبعهم واقتفى آثارهم إلى يوم الدين، وسلم تسيلماً كثيراً.
أما بعد:
يقول الله جل وعلا في كتابه العزيز؛ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:102 - 103].
أيها المسلمون! إن كتاب الله هو حبله المتين والحق المبين؛ من وقف عند حدود كتاب الله نجا، ومن تحلى بآداب القرآن سعد، ومن تمسك بالقرآن فقد هُدي إلى الصراط المستقيم، وإن الله جلت حكمته قد أوجب عليكم في القرآن أمراً عظيماً، أنتم أطعتم الله فيه، ونفذتم الأوامر، وقمتم بحقوق الله؛ نلتم من الخير ما تحبون، وبلغتم الغاية المثلى التي تطلبون، وذلك بأن تتحد القلوب، وتتآلف النفوس، ونتعاون على الخير فيما بيننا، ونرمي بالعصبيات والجاهليات عرض الحائط، وندفن القومية والعصبية والتفرق مع الجاهلية الأولى التي دفنها الإسلام.