أمة الإسلام: لقد بعث الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم على حين فترة من الرسل، بعثه الله على رأس الأربعين من عمره، فأول ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبب إليه الخلاء صلى الله عليه وسلم، وكان يخلو بـ غار حراء فيتحنث فيه -أي: يتعبد الليالي- ثم يأتي إلى أهله، ويتزود لذلك أيضاً، ثم يرجع إلى خديجة رضي الله عنها- أول ما تزوج من النساء خديجة بنت خويلد رضي الله عنها- ويتزود لتلك الأيام التي يخلو بها بربه، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، جاءه الملك جبريل عليه السلام فقال: {اقرأ، قال: ما أنا بقارئ} أي: لست أجيد القراءة؛ لأنه أميٌ صلى الله عليه وسلم لا يقرأ ولا يكتب {فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ! فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ! فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1 - 5]} فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة رضي الله عنها، فقال: {زملوني زملوني فزملوه صلى الله عليه وسلم حتى ذهب عنه الروع، فقال لـ خديجة: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة رضي الله عنها: كلا.
والله لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة رضي الله عنها حتى أتت به ورقة بن نوفل ابن عم خديجة، وكان امرءاً قد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني، فكان يكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد فقد بصره فقالت له خديجة: يا بن عمي! اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا بن أخي! ماذا ترى؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي ينزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعاً -أي: أكون حياً- إذ يخرجك قومك، فقال صلى الله عليه وسلم: أو مخرجي هم؟ قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي وأوذي وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً، ثم لم يلبث ورقة أن توفي وفارق الحياة}.