الحمد لله الذي أوضح سبل هدايته لأرباب ولايته وأدنج، وحرك أهل عبادته إلى التوبة النصوح وأزعج، وأدى بدائع قدرته في محكم صنعته وأخرج، وينزل إلى السماء الدنيا، فينادي العباد: أين الذي بالمناجاة والاستغفار يلهج؟ ليجيب الدعوات، ويغفر الزلات، ويعطي المسئولات، وهو أهل الكرم والسماح، الذي لا يخيب من رجاه، ولا يطرد من عصاه إذا تاب مما جناه وأناب، هو المعروف بالربوبية المتفرد بحقيقة الوحدانية، فسبحانه من إله مطلع على الضمائر يعلم ما تكن وما تعلن! أحمده على ما يسر لعباده من الأمور، وأشكره وأثني عليه بما صرف من المكروه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أرسله بالهدى والصلاح صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى وأطيعوه.
عباد الله: إنه لا يتم إيمان المسلم إلا بعد أن يؤمن باليوم الآخر، وهو يوم القيامة، سأل جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، فقال: {أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره} واليوم الآخر هو يوم القيامة.
{يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التغابن:9 - 10].
أمة الإسلام: حقٌ على كل إمام، أو واعظ، أو مرشد أن يبين للأمة الإسلامية خطر يوم القيامة، لأن البعض من الأمة الإسلامية كاد أن يغفل عن يوم القيامة، والبعض منهم كاد أن ينكر يوم القيامة، نعوذ بالله، عياذاً بالله من سوء الخاتمة.
عباد الله: حقاً إن أمر القيامة عظيم، وشأنها جسيم، وموعدها قريب، فإن من مات قامت قيامته، وانتقلت روحه إلى الجنة أو إلى النار، ونال جسمه في قبره نعيمٌ أو عذاب، فالقبر إما روضةٌ من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.
تذكر -يا أخي المسلم- إذا أهل عليك إخوانك المسلمون التراب، إذا صفوا عليك اللبنات، وأهلوا عليك التراب، وتركوك وحيداً فريداً في قبرك، فنعيم القبر أو عذابه حقٌ ثابتٌ للبدن والروح، ثابتٌ في الكتاب والسنة، وبإجماع الأمة، وهو من الإيمان بالغيب الذي لا ينكره إلا ملحد معاند، وقد استعاذ نبينا صلى الله عليه وسلم من عذاب القبر، وأمرنا بالاستعاذة في كل صلاة بعد التشهد.