يصرح القرآن -كلام رب العالمين- بما سوف يكون يوم القيامة, وبما يحصل يوم القيامة، وقيل: ذلك مقدمات، وهن قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر:68] وهذه هي النفخة الثانية، وهي نفخة الصعق، وهي التي يموت بها الأحياء من أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله، ثم يقبض أرواح الباقين حتى يكون آخر من يموت ملك الموت، وينفرد الحي القيوم -الذي كان أولاً وهو الباقي آخراً- بالديمومة والبقاء، قال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27] ثم يقول جل وعلا: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر:16] ثم يجيب نفسه بنفسه: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16].
ثم يحيي أول من يحيي إسرافيل, ويأمره أن ينفخ في الصور، وهي النفخة الثالثة، وهي نفخة البعث، قال الله تعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68] الله أكبر! ترانا قياماً ننظر وننفض التراب من رءوسنا أحياءً بعدما كنا عظاماً ورفاتاً, صرنا أحياءً ننظر إلى أهوال يوم القيامة، وما يكون فيها من الأمور العظام، قال تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} [التكوير:1 - 13]-نسأل الله من فضله- {وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير:13 - 14].
كل هذه الأهوال سوف تحصل في ذلك اليوم الرهيب, الذي تذهل فيه كل مرضعةٍ عما أرضعت، وتضع فيه الحامل حملها، وتشيب فيه الولدان الصغار، الوليد الصغير الذي لم ينبت له شعر يشيب في ذلك اليوم العظيم، قال تعالى: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2].