يذكر في بعض كتب السير أن ابن عباس رضي الله عنه كان في سفر إلى الحج، وكان معه رفقة فمرض منهم رجل، فجلس معه رفقته ليمرضوه ثم مات هذا الرجل، فحفروا له قبراً، فلما أرادوا أن يجعلوه في ذلك القبر، وإذا بتنين يخرج في ذلك القبر، فحفروا قبراً آخر وإذا به يخرج فيه، وحفروا ثالثاً وإذا به يخرج في القبر الثالث، ثم ذهب رجل منهم مسرعاً إلى ابن عباس رضي الله عنه ليخبره بهذه الحادثة، فقال: لو حفرتم جميع الأرض لوجدتموه، ادفنوه في أحد هذه القبور فإن هذا عمله.
ودفنوه في أحد هذا القبور، ولما سألوا زوجته عنه قالت: إنه رجل كان كثير الصلاة كثير الصيام كثير الصدقة، إلا إنه رجل تاجر وكان يشتغل أحياناً بتجارته ثم ينام عن صلاة الفجر.
رجل في عهد ابن عباس رضي الله عنه، ما عاش مع البلوت ولا مع الكينكان ولا مع الدمنة ولا مع الميسر والقمار، عاش في تجارته {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة:275] ولكنه لما اشتغل به عن طاعة الله، وصده عن ذكر الله وهي الصلاة كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون:9] ذكر بعض المفسرين أن ذكر الله في هذه الآية هو الصلاة، فهذا الرجل لما اشتغل بتجارته وبحسابه سلط الله عليه هذا التنين في قبره نسأل الله العفو والعافية.
فعذاب القبر حقٌ، وكذلك نعيم القبر حق، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما مر على رجل من الصحابة قال: {أفٍ! قالوا: ماذا يا رسول الله؟ قال: إن الشملة أو العباءة التي غلها لتشتعل عليه ناراً في قبره} لأنه أخذها قبل أن تقسم الغنائم، فهي تشتعل عليه في قبره ناراً نسأل الله العفو والعافية.
ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: {إنهما ليعذبان وما يعذبان بكبير} أي: ليس كبيراً في أعين الناس، ثم قال صلى الله عليه وسلم: {بلى إنه لكبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله} أي: لا يتنزه من بوله، ولذلك يعذبان في القبر، فشق رسول الله صلى الله عليه وسلم جريدة وغرزها على قبر كل واحد منهما لعله يخفف عنهما ما لم تيبسا.
وبعض الناس يأتي ويأخذ ويشقها ويضعها على القبر، فنقول له: هذا فعل يخالف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه وتعالى أطلعه على ما في هذين القبرين من أن اللذين في قبريهما يعذبان، فلذلك لا ينبغي لأحد أن يتعدى أو يخالف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، أو كما يفعل بعض الناس إذا دفنوا الجنازة وقفوا صفوفاً، وقالوا: ماذا تقولون في فلان؟ وقد تواطئوا على هذا الخبر، فيقولون: فلان بن فلان رجل طيب، ويمكن أنه لا يعرف الصلاة في بيوت الله، لكنهم قالوا: فلان طيب أخذاً بالحديث الذي يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أنه مر عليه بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال: وجبت، ومر عليه بأخرى فأثنوا عليها شراً، فقال: وجبت، فقال عمر رضي الله عنه: كيف ذلك يا رسول الله؟ أثنوا على الأولى خيراً، فقلت: وجبت، وأثنوا على الأخرى شراً، فقلت: وجبت؟ قال: أثنيتم على الأولى بخير، فقلت: وجبت، أي: وجبت له الجنة، وأثنيتم على الآخر بشر، فقلت: وجبت، أي: وجبت له النار فأنتم شهود الله في أرضه}.
لكن ينبغي أن تكون شهادة حقيقية على إنسان متق لله عز وجل، صاحب تقوى ودين، أما من لا يعرف الصلاة، أو من هو منهمك في المسكرات والمخدرات، أو من يرتكب اللواط والزنا، ثم يقف الناس في جنازته صفوفاً ويقولون: فلان بن فلان نعم الرجل فهذا خلاف الواقع، وسوف يسألون عن هذه الشهادة يوم القيامة.
ومذهب أهل السنة والجماعة أنه لا يحكم لأحد من أهل القبلة بجنة ولا بنار، ولكن يرجى للمحسنين الثواب، ويخاف على المسيئين العقاب.
وهذا الذي رآه صلى الله عليه وسلم هو أن الله وكل بالرجل الذي كان يتثاقل عن الصلاة، ملكاً يضربه بذلك الحجر هو من عذاب البرزخ.
كذلك مر برجل آخر وهو مستلق لقفاه، وإذا بآخر قائم عليه بكلوب، وإذا هو يشرشر شدقه ومنخره وعينيه إلى قفاه، وكلما صحا هذا الجانب أتى إلى الجانب الآخر، فسأل عنه صلى الله عليه وسلم، ما هذا؟ قالوا: هذا الرجل الذي يغدو فيكذب الكذبة فتبلغ الآفاق نسأل الله العفو والعافية.
ولذلك حذر صلى الله عليه وسلم من الكذب، فقال: {إياكم والكذب! فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً}.
ثم مر صلى الله عليه وسلم بأناس في مثل التنور أسفله واسع وأعلاه ضيق، فيأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم هذا اللهب ارتفع بهم، وضوضوا من شدة ما يأتيهم من هذا الحر، وهم عراة في ذلك التنور، فقال صلى الله عليه وسلم: من هؤلاء؟ قالوا: هؤلاء الزناة والزواني الذين يفعلون جريمة الزنا، الذين يرتكبون الجريمة الشنعاء، والذين يرتكبون الجرثومة الخطيرة التي تسبب الأمراض في الدنيا، عقوبتهم في الدنيا الفقر وتسويد الوجه، ومرض الزهري والسيلان والإيدز وغيرها من الأمراض المستعصيات، التي حصلت في آخر الزمان بسبب هذه الجرثومة الخطيرة التي انتشرت، نسأل الله جلت قدرته أن يبعدها عن بلادنا وعن بلاد المسلمين أجمعين، إنه على كل شيء قدير.
ففي الدنيا يجازون بهذه المصائب فقر وتسويد للوجوه، ويصابون بهذه الأمراض الخطيرة المتسعصية، التي لم يوجد لها علاجٌ حتى الآن، وفي البرزخ يعذبون في مثل التنور، ويوم القيامة لا تسأل عن أحوالهم في جهنم، نعوذ بالله من جهنم.
ومر صلى الله عليه وسلم على أناس -وهذا ليلة أسري به صلى الله عليه وسلم يقول: {مررت بأناس لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم} أهل الغيبة الذين لا تطيب مجالسهم إلا بأكل لحوم الناس، ولا تطيب مجالسهم إلا بالاستهزاء والسخرية بعباد الله ومع الأسف الشديد يحدث من بعض الناس استهزاء بأهل الدين، حيث يقولون: هذه مطوع له لحية مثل لحية التيس، أو له لحية مثل المكنسة وهذا لبس ثوب أخيه الصغير، أي: قصر ثوبه اتباعاً للرسول صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هذا أخطأ ولبس ثوب أخيه الصغير يستهزئون به؛ لأنه اتبع هدي الرسول صلى الله عليه وسلم.
ويقولون: هذا متجمد هذا متزمت هذا رجعي ويا وليهم إذا لم يتوبوا من هذه الألفاظ! وكم مرة أقول هذا الكلام، وهو من باب النصيحة، وقد يقع هذا الأمر من أناس كبار في السن، يقولون: ما هذا الدين الذي أتى به هؤلاء الشباب؟ لأن بعض هؤلاء الكبار عاش بين الشيشة والتتن والدخان وغيرها، ولما رأوا بعض الشباب التزم وتمسك بدين الله؛ قالوا: ما هذا الدين الذي أتى به هؤلاء الشباب ويظنون أن هذا الدين جديد، وهذا هو دين الله الذي بعث به محمداً صلى الله عليه وسلم، ولكن نشكر الله عز وجل على هذه الصحوة واليقظة، ونسأل الله عز وجل الثبات على دينه.
صحيح أنه قد مرت بنا سنون غفلنا وابتعدنا وأعرضنا، ولكن هذا من فضل الله سبحانه وتعالى أن وفقنا ورجعنا، فنسأل الله عز وجل أن يتم علينا هذه النعمة، وأن يثبتنا على قوله الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران:8].
فمع الأسف الشديد تجد شاباً متمسكاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا هو واضع يديه على صدره في الصلاة مثلما أمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا برجل آخر من المعرضين الذين لم يعرفوا هدي الرسول، يقول: ما هذا الدين الجديد الذين جئتم به لنا؟ هذه هي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن صدق الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: {بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء! قيل: ومن الغرباء؟ قيل: الذين يصلحون إذا فسد الناس، أو يُصلحون ما أفسد الناس}.
فيا أيها الشباب: الله الله في الرجوع إلى دين الله وكتاب الله، وإلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تلتفوا إلى المستهزئين فقد استهزئ برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأني أنظر إليه وهو يصلي عند الكعبة، لما وضعوا على رأسه سلا الناقة، واقرءوا هذا في سيرته صلى الله عليه وسلم، وما سئم ولم يضره ذلك، وما ضعف عزمه عن الدعوة إلى الله عز وجل، وعن طاعته سبحانه، وكم مر برسول الله صلى الله عليه وسلم وبصحابته الكرام من الابتلاء والامتحان فما ضرهم ذلك، كان منهم من تحمى الحديدة وتوضع على رأسه تفوح رائحة لحم رأسه، ومنهم من يسحب على الرمضاء، ومنهم من توضع عليه الصخرة الكبيرة، ولم يرده ذلك عن دين الله عز وجل، ومنهم من ضرب حتى اختلط أنفه بوجهه، ويحمل وهو يقول: كيف حال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ولم يضرهم ذلك أبداً.
أما البعض منّا في هذه الأزمنة المتأخرة والمظلمة، إذا سمع كلمة بسيطة من بعض المستهزئين ابتعد عن الدين وانحرف والعياذ بالله، فلو رسخ الإيمان في قلبه، لما ضره ألقاب الملقبين، ولا ضره استهزاء المستهزئين، فلقد كان في من كان قبلنا يوضع المنشار على مفرق رأسه، ويوضع على الأرض قطعتين، ولم يرده ذلك عن دينه؛ لأن الإيمان ثبت في قلوبهم ثبوت الجبال الراسيات، فالله الله أيها الإخوة في الله!
وهذه بشارة يزفها لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، تسطر لكم في كتب الأحاديث، ويدونها لكم علماء الإسلام، خدمة ميراث محمد صلى الله عليه وسلم، هذه البشارة التي يزفها لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله حيث يقول: {وشاب نشأ في عبادة الله}.
أيها الإخوة: يقول ابن عباس رضي الله عنهما عن عذاب البرزخ: [[إن اللوطي إذا مات من غير توبة مسخ في قبره خنزيراً]] نسأل الله العفو والعافية اللوطي الذي يأتي الذكران من العالمين دون النساء، الذي يهجر ما أحل الله له من الزوجة الطيبة ثم يرتكب هذه الجريمة الشنعاء؛ جريمة اللواط التي إذا فعلت في مكان هربت الشياطين منه، تخشى أن ينزل عليهم العذاب مع أولئك المفسدين الذين يفسدون في الأرض، وتكاد الجبال أن تقتلع من أصولها؛ لأنها جريمة نكراء، وما عذب الله أمة أشد عذاب مما عذب به قوم لوط، حيث أمر جبريل عليه السلام أن يقتلع قراهم ويرفعهم إلى السماء حتى سمع أهل السماء صياح الديوك ونباح الكلام، ثم قلبها عليهم، ثم أتبعهم الله بحجارة من سجين.
تلك القرى التي كانت تغط بالناس، أصبحت الآن بحيرة ميتة منتنة لا يستفاد منها، ثم عقب الله بذلك، وقال: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:83] ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: {من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به}.
وأبو بكر رضي الله عنه أحرق اللوطي في النار، وكذلك عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، وقال: ابن عباس رضي الله عنه: [[أرى أن ينظر أعلى مكان في البلد، ثم يرمى منه ويتبع بالحجارة]].
هذا اللوطي الخبيث صاحب الجرثومة الشريرة التي تنشر الشر والعار في الأرض نسأل الله العفو والعافية.