الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله: اعتبروا بأحوال أولئك الرجال، هذا أنس بن النضر لما انهزم الناس قال: [[اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني المسلمين- وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء -يعني: المشركين- ثم تقدم رضي الله عنه، فلقيه سعد بن معاذ فقال: أين يا أبا عمر؟ فقال أنس: واه لريح الجنة، واه لريح الجنة، واه لريح الجنة يا سعد! إني أجدها دون أُحد]] ثم مضى فقاتل القوم حتى قتل، فما عُرف حتى عرفته أخته ببنانه وبه بضع وثمانون ما بين طعنة برمح، وضربة بسيف، ورمية بسهم.
وقال عبد الله بن عمرو بن حرام: رأيت في النوم قبل أحد مبشر بن عبد المنذر يقول لي: [[أنت قادم علينا في أيام، فقلت: وأين أنت فقال: في الجنة نسرح فيها كيف نشاء، قلت: له ألم تقتل يوم بدر، قال: بلى.
ثم أحييت]] فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: {هذه الشهادة يا أبا جابر!}.
وقال خيثمة رضي الله عنه وكان ابنه استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: [[لقد أخطأتني وقعة بدر وكنت والله عليها حريصاً، حتى ساهمت ابني في الخروج أي: ضربت أنا وهو السهام فخرج سهمه فرزق الشهادة، وقد رأيت البارحة ابني في النوم في أحسن صورة يسرح في ثمار الجنة وأنهارها ويقول: الحق بنا ترافقنا في الجنة، فقد وجدت ما وعدني ربي حقاً وقد والله يا رسول! أصبحت مشتاقاً إلى مرافقته في الجنة وقد كبر سني ورق عظمي]].
الله أكبر! لا إله إلا الله! هؤلاء الرجال يقول يا رسول الله: [[قد كبر سني ورق عظمي وأحببت لقاء ربي فادع الله يا رسول الله! أن يرزقني الشهادة ومرافقة سعد في الجنة]] فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقتل بـ أحد شهيداً.