الحمد لله الملك العظيم العزيز الحكيم, له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الأولى والآخرة, وله الحكم وإليه ترجعون, لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، يعلم ما تخفون وما تعلنون, أحمده وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, الذي بين لأمته ما فيه الخير والسعادة, وحذرها من سوء العاقبة والمصير، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه، وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً.
أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى وأقيموا الشهادة لله وحده, ولا تقيموها لقريب من أجل قرابته, ولا لصديق من أجل صداقته, ولا لغني من أجل غناه, ولا لفقير من أجل فقره, ولا لأمير من أجل إمارته, ولا لقاضٍ من أجل قضائه, ولا تقيموها على بعيد من أجل بعده, ولا عدو من أجل عداوته, أقيموا الشهادة لله الواحد القهار, أقيموا الشهادة كما أمركم بذلك ربكم وخالقكم، ومدبر أموركم، والحاكم بينكم، والعالم بسركم وعلانيتكم, أقيموها امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} [النساء:135].
أيها المسلمون: إن الشهادة أمرها عظيم وخطرها جسيم في تحملها وأدائها, فلا يحل كتمان الشهادة، ومصداق ذلك قول الحق سبحانه وبحمده: {وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [البقرة:283] ولا يحل أن يشهد إلا أن يكون عالماً بما يشهد به علماً يقيناً، وأنه مطابق للواقع تماماً، فلا يحل أن يشهد بما لم يعلم, ولا بما يعلم أن الأمر بخلافه، بل لا يحل أن يشهد بما يغلب على ظنه حتى يعلمه علماً يقيناً كما يعلم الشمس في رابعة النهار, إذا اتضح له الأمر مثل الشمس فليشهد أو فليترك.