وكان حمزة رضي الله عنه قد أسلم في اليوم الذي ضرب فيه أبو بكر رضي الله عنهم أجمعين.
واشتد الأذى على المسلمين، فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى الحبشة، فخرج أبو بكر رضي الله عنه مهاجراً نحو أرض الحبشة، حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة، وهو سيد القارة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟
فقال أبو بكر: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي.
قال ابن الدغنة: فإن مثلك يا أبا بكر لا يُخرج ولا يخرُج، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكلَّ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق فأنا لك جارٌ، ارجع واعبد ربك في بلدك.
فرجع وارتحل معه ابن الدغنة، ثم طاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش، فقال لهم: إن أبا بكر لا يُخرج مثله ولا يخرُج، أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكلَّ، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة، وقالوا لـ ابن الدغنة: مُرْ أبا بكر فليعبد ربه في داره فليفعل، فيها وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا.
فلبث أبو بكر بذلك، يعبد ربه في داره، ولا يستعلن بصلاته، ولا يقرأ في غير داره.
ثم بدا لـ أبي بكر رضي الله عنه فابتنى مسجداً في فناء داره، وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقذف عليه نساء المشركين، أي: يزدحمون عليه هم وأبناؤهم ويعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلاً بكاء، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، وأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدغنة، فقدم عليهم، فقالوا: إن كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره فقد جاوز ذلك، فابتنى مسجداً بفناء داره، فأعلن بالصلاة والقراءة فيه، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فانهه، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فليفعل، وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا قد كرهنا أن نخفرك ولسنا مقرين لـ أبي بكر الاستعلان.
قالت عائشة رضي الله عنها: فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر، فقال: قد علمت الذي عاقدتك عليه، فإما أن تقتصر على دارك، وإما أن ترجع إليَّ ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له.
فقال أبو بكر: فإني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله عز وجل.