الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله، وخليله وأمينه على وحيه، وصفوته من خلقه، نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله، واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد: فإني أشكر الله عزَّ وجلَّ على ما منّ به من هذا اللقاء بإخوة في الله في هذه الدار، وبأبناء كرام، فأسأله سبحانه أن يجعله لقاءً مباركاً، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا جميعاً، وأن يمنحنا التوفيق لما يرضيه، والعافية من أسباب غضبه، كما أسأله سبحانه أن ينصر دينه، ويُعلي كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يولي عليهم خيارهم، ويصلح قادتهم، كما أسأله عزَّ وجلَّ أن يوفق ولاة أمرنا في هذه البلاد لكل خير، وأن ينصر بهم الحق، وأن يصلح لهم البطانة، وأن يعيذهم من بطانة السوء، وأن يجعلنا وإياكم وإياهم من الهداة المهتدين، وأن يمن على خادم الحرمين الشريفين بالشفاء العاجل، والتوفيق لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد؛ إنه جل وعلا جواد كريم.
ثم أشكر إدارة هذه الدار على دعوتي لهذا اللقاء، وأسأل الله أن يبارك في الجميع، وأن يجعل القائمين على هذه الدار من إداريين ومدرسين من أنصار دينه، ومن الدعاة إلى سبيله على بصيرة، وأن يوفق أبنائي الطلبة لكل خير، وأن يجعلهم هداة مهتدين، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يصلح أحوالهم ويجعلهم من أنصار الحق، إنه جلَّ وعَلا جواد كريم.
أيها الإخوة والأبناء! يقول الله جلَّ وعَلا في كتابه الكريم: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2] ويقول سبحانه: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:2] * {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم) .
فوصيتي لنفسي ولكم أيها الإخوة جميعاً ولأبنائي الطلبة: تقوى الله، وأن يستقيم الجميع على دينه، وأن يتفقهوا في دينه، وأن يؤدوا ما أوجب الله عليهم، وأن يدعوا ما حرم الله عليهم، ويتواصوا بهذا في جميع الأحوال، في الليل والنهار، في السفر والإقامة، في الصحة والمرض، علينا أن نتواصى بطاعة الله ورسوله، وبأداء حق الله وترك محارمه، وأن نتواصى بكل خير، وبترك كل شر، كما أوجب الله علينا ذلك في قوله سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة:2] وفي قوله: {إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:2] أي: جميع الناس في خسران، من جن وإنس، عرب وعجم، شباب وشيب، رجال ونساء؛ {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] .
هؤلاء هم الرابحون، من الجن والإنس، من الرجال والنساء، من العرب والعجم، من الشباب والشيوخ، الرابحون الناجون السعداء هم {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] آمنوا بالله ورسوله، صدّقوا الله، وأنه ربهم ومعبودهم الحق، وصدّقوا رسوله محمداً عليه الصلاة والسلام، وأنه رسول الله حقاً إلى جميع الثقلين الجن والإنس، وصدّقوا كل ما أخبر الله به ورسوله من أمر الآخرة، من الجنة والنار والحساب والجزاء، وغير ذلك، هكذا المؤمنون، يؤمنون بالله رباً ومعبوداً بالحق، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه، ومن سواه لا يُعبد، ويؤمنون بأن رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم هو رسول الله حقاً إلى جميع الثقلين الجن والإنس، ويؤمنون بكل ما أخبر الله به ورسوله، مما كان وما يكون، ثم يعملون، وهكذا المؤمنون، إيمان وعمل، وذلك بأداء فرائض الله، وترك محارم الله، وذلك من الإيمان، ولكن الله نص عليه؛ لأنه أمرٌ مهم، قد يظن بعض الناس أن الإيمان مجرد التصديق بالقلوب، بل الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل، لا بد من الإيمان بالقلوب، ولا بد من الإيمان بالألسنة، ولا بد من الإيمان بالعمل، بأداء فرائض الله وترك محارم الله، الإيمان عن تصديق وإخلاص لله عن محبة وتعظيم عن متابعة للرسول صلى الله عليه وسلم صادقة، فيؤدي فرائض ربه، ويدع محارمه، فلا يتم الإيمان إلا بهذا، وإذا تيسر للعبد المسارعة إلى الخيرات علاوة على الفرائض، كان ذلك من الدرجات الرفيعة، ومن أسباب أن يكون من المقربين السابقين.
ثم من العمل: التواصي بالحق، وهو من الإيمان أيضاً؛ لكن الله نص عليه لعظم شأنه، وإلاَّ فهو من الإيمان، وهو من العمل؛ ولكن لما كان التواصي له شأنه العظيم في منفعة الناس، وفي نقل العلم، وفي توجيه الناس إلى الخير، نص الله عليه، قال: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} [العصر:3] فيجب على أهل الإيمان التواصي بالحق، ولا سيما العلماء، وطلاب العلم والقائمون على دور العلم، لا بد من التواصي بالحق والتناصح، فالأستاذ ينصح، والمدير ينصح، وكل موظف وعامل ينصح في عمله، وفيما بينه وبين الله، وفيما بينه وبين الناس، وهكذا الطالب ينصح في أن يجتهد في تحصيل المعلومات التي طُُلبت منه بكل صدق وبكل إخلاص، ثم يعمل ويجتهد في طلب العلم، ويجتهد في تحقيق ما أُريد منه عن نية صالحة، وعن إخلاص لله، يرجو أن ينفع الله به أمته، ويرجو أن ينفع به نفسه، فينقذها من عذاب الله، بطاعة أوامر الله، وترك نواهي الله.