الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد: فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إياكم والجلوس في الطرقات، قالوا: يا رسول الله! ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها، قال: فأما إذا أبيتم فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) .
يبين صلى الله عليه وسلم أن الجالس في الطريق ومثله المار في الطريق عليه حقوق ينبغي له أن يعتني بها وأن يؤديها.
- غض البصر عن عورات إخوانه.
- كف الأذى القولي والعملي.
- رد السلام على من سلم عليه.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
هذا من حق الطريق على من كان في الطريق، على بابه، أو في أي مجلسٍ من المجالس على الطريق، أو كان ماشياً في الطريق كذلك، عليه أن يلاحظ هذه الأمور التي بينها الرسول عليه الصلاة والسلام، وهي أن يكون غاض البصر، لا ينظر إلى عورات الناس، فإن الطرق تجمع من يعتني بعورته ويتحفظ ومن يتساهل، فالواجب غض البصر وإنكار المنكر، مع كف الأذى لا يؤذي الناس بلسانه، ولا بأعماله قد يكون بعض الناس مبتلىً بالغيبة والكلام السيئ في حق من يمر عليه، وبعض الناس مبتلىً -أيضاً- بالإيذاء بالفعل، بإلقاء ما يؤذي الناس في الطرقات من مياه أو أحجار أو عظام أو غير هذا مما يؤذي الناس.
كذلك رد السلام كثير من الناس يتكبر ولا يبالي بالسلام، ويعرض عمن سلم عليه لا يبدأ ولا يرد، وهذا من ضعف الإيمان، قال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنون حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) فإفشاء السلام من أسباب المحبة في الله، ومن أسباب قوة الإيمان، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده) حلف وهو الصادق، وإن لم يحلف عليه الصلاة والسلام، (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا -أي: الإيمان الكامل- حتى تحابوا -أي: حتى تحابوا في الله- أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) وسئل عليه الصلاة والسلام: (قيل: يا رسول الله! أي الإسلام أفضل؟ قال: أن تطعم الطعام، وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) .
وقال عليه الصلاة والسلام لما قدم المدينة: (أيها الناس! أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام) .
وكثير من الناس إنما يسلم على من يعرف من أصحابه، أما من لا يعرف من المسلمين فلا يبالي، فلا يبدأ بالسلام ولا يرد السلام، وهذا لا شك من الجهل ومن ضعف الإيمان ومن قلة الآداب الشرعية.
ومن الواجبات -أيضاً- على أهل الطريق: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإن الطرق يقع فيها ما يقع من التقصير، ومن ظهور بعض المنكرات، فالواجب على المؤمن إذا رأى شيئاً في الطريق ألا يسكت، بل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فإذا رأى من هو جالس وقد أذن المؤذن فيقول: اتق الله يا عبد الله، والصلاة الصلاة بارك الله فيك، حتى يشجع غيره على أداء هذا الواجب العظيم على أداء عمود الإسلام في الجماعة، وإذا رآه يتعاطى منكراً من غيبة أو نميمة أو ما أشبه ذلك أنكر عليه إذا ذهب إلى الحلاق ليحلق لحيته أنكر عليه رآه يتعاطى التدخين أنكر عليه رآه يتابع النساء أنكر عليه وهكذا إذا رأى متبرجة من النساء أنكر عليها، وأمرها بالستر والحجاب، والبعد عن أسباب الفتنة وهكذا، وغير ذلك من المنكرات التي تقع في الأسواق.
وإذا رآه -أيضاً- قد قصر في معروف أنكر عليه، فإن المؤمن أخو المؤمن، يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، ولا يسكت، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه) أخوه لا يظلمه في نفس ولا مال ولا عرض، ولا يخذله وهو إسلامه بتركه لمن يظلمه، ولكن يساعده على الخير، ويدافع عنه الشر، ويعينه على طاعة الله ورسوله، ويعينه على ترك معصية الله.
رزق الله الجميع التوفيق والهداية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.