Q هذا أحد الإخوان يطرح سؤالاً بدأه بقوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] ، فأنا أدعو الله سبحانه وتعالى، وأقوم الليل، وأختار الأوقات المناسبة التي تُستجاب الدعوة فيها، كساعة يوم الجمعة، وغيرها؛ ولكن لا يُستجاب لي الدعاء، فما هو السبب؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً.
صلى الله عليه وسلم عدم الاستجابة لها أسباب قد يدعو الإنسان في آخر الليل، ويدعو بين الأذان والإقامة، وفي سجوده، وفي ساعة الجمعة؛ ولكن لا يستجاب له لأسباب بينها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، يقول عليه الصلاة والسلام: (ما من عبد يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تُعجل له دعوته في الدنيا، وإما أن تُدَّخر له في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من الشر مثل ذلك، قالوا: يا رسول الله! إذاً نكثر، قال: الله أكثر!) .
فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الدعوات قد يستجاب بعضُها معجلاً، وقد يؤجل بعضها، وقد يعوض عنه صاحب هذه الدعوة، ونحن نشاهد هذا، كما قال السائل، كلٌّ يشاهد هذا، يدعو بدعوات لا تحصل له، فلا يظن أن الله غافل عنها، وأنه يخلف الميعاد، لا.
فهو الصادق في وعده سبحانه وتعالى، حيث قال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] ، وكما في الحديث الصحيح، في حديث النزول يقول صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة، حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: هل من داعٍ فيستجاب له، هل من سائل فيُعطى سؤله، هل من مستغفر فيغفر له، هل من تائب فيُتاب عليه ... ) ، هذا وعد من ربنا بالاستجابة؛ ولكنه قد يؤجلها، وقد يعطيه خيراً منها على حسب حكمته وعلمه سبحانه وتعالى.
وهذا النزول -وسائره من الصفات- نزول يليق بجلال الله، لا يعلم كيفيته إلا هو سبحانه وتعالى، عند أهل السنة والجماعة، وكذلك نقول في الاستواء، والغضب، والرضا، والمجيء يوم القيامة، وغير ذلك: كلها صفات تليق بالله سبحانه وتعالى، لا يساويه فيها خلقه، كما قال مالك رحمه الله، وربيعة، وأم سلمة وغيرهم: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب.
وهكذا يقال: النزول معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، وهكذا في الغضب، والرضا، والكراهة، والمحبة، والبغضاء، والسمع، والبصر، وغير ذلك، كلها صفات تليق بالله لا يشبهه سبحانه وتعالى فيها مخلوق، كما قال عزَّ وجلَّ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:4] .
وهكذا الدعوات، يُستجاب بعضُها ويُؤجل بعضُها، ويُمنع بعضُها ويُعطى من الخير شيء آخر، أو يدفع عنه من الشر مثل ذلك أو غير ذلك.
وقد تكون له معاصٍ وذنوب استحق بها المنع، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه) ، فالإنسان قد يُحرم من الإجابة لأعمالٍ سيئة فعلها، أو ذنب فعله، قد تكون الإجابة حُجبت لأسباب أعمال السائل السيئة ومعاصيه، وقطيعته لرحمه، أو غير ذلك من الآفات، ولهذا قال في الحديث: (ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم) .
فالحاصل أن الدعاء يُستجاب؛ ولكن الاستجابة على أقسام: - تارة يستجاب استجابة معجلة.
- وتارة يؤجل ذلك المطلوب إلى الآخرة.
- وتارة يصرف عنه من الشر مثل ذلك بدلاً من إعطائه سؤله.
- وتارة يُمنع لأعماله السيئة، ولتقصيره في أمر الله، ولتعاطيه ما يمنع الإجابة من سيئات وأخطاء مشتركة.
ثم أيضاً هناك سبب آخر بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم، وبيَّنه أهل العلم، وهو أنه قد يؤجل ويؤخر ليجتهد في العبادة، ويجتهد في الدعاء، ولعل الله يفتح له أبواباً من الخير في أسباب هذه الحاجة التي يلح فيها، فتكون حاله أصلح من حال الأولى، بسبب هذا اللَّجَأ إلى الله، والاجتهاد في الدعاء، والحرص على طلب الحاجة، فيفتح الله عليه الأبواب الكثيرة من الخير، ويزداد بذلك صلاح قلبه، وقوة إيمانه، ورغبته فيما عند الله، فتكون هذه الحاجة التي طلبها سبب خير كثير، وسبب هداية وصلاح، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: دعوت ودعوتُ فلم يستجب لي) ، فيستحسن عند ذلك ألا يدع الدعاء، فينبغي ألا يمل، ولحديث: (إن الله يحب الملحين في الدعاء) ، فينبغي أن يُلِحَّ في الدعاء، ويجتهد ولا ييأس، ويحسن الظن بربه، ويرجوه سبحانه أن يعجلها له إذا كان فيها خير، أو يدخرها له إن كان ذلك خيراً له، أو يعطيه خيراً منها إذا كان ذلك خيراً له، وربك أحكم وأعلم سبحانه وتعالى.