المقدم: لعلي أن أتلقى اتصالاً.
المتصل: السلام عليكم.
المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله.
المتصل: أحسن الله عزاءكم وعزاء الجميع في سماحة الوالد عبد العزيز بن باز، أخوكم الدكتور/ ناصر الزهراني من الذين منَّ الله تعالى عليهم بصحبة هذا الشيخ الجليل رحمه الله رحمة واسعة، وسمحت لي الظروف من خلال محبتي له منذ القدم، ومن خلال إمامتي لمسجده في مكة المكرمة ومن خلال عملي وكيلاً عنه لبعض المشاريع الخيرية بـ مكة أن أحظى بالجلوس إليه كثيراً، وأنهل من علمه وأتمتع بتلك الصحبة الجميلة التي تعلمت منها الكثير والكثير، ومثلما ذكر الأحبة حديثاً عن سماحة الشيخ لا تكفي فيه أوقات طويلة ولكن في مثل هذه العجالة الإنسان يحاول أن يذكر ولو طرفاً يسيراً من بعض ما عرفه عن هذا العالم الجليل رحمه الله رحمة واسعة، فمثلما ذكر الأحبة أن الشيخ لم يكن تميزه فقط من الناحية العلمية، وإن كان بلغ فيها شأناً عظيماً؛ لكن التمييز هو بهذه الشمولية العظيمة، سأذكر لكم من خلال صحبتي فقط في آخر قدوم له إلى مكة، وقد لا تكون وصلت إلى عشرة أيام، هذا التنوع والشمول في حياته رحمه الله رحمة واسعة، من الناحية الاجتماعية، ومن الناحية العلمية، ومن جميع النواحي، فمثلاً من الناحية العلمية كتبت له في آخر مرة قد تكون قبل شهر من الآن عن جماعة سلفية في الهند تطلب دعماً لبعض الكتب، فظننت أن الشيخ رحمه الله لم يتمكن من قراءة الخطاب ووافاه الأجل قبل أن يقرأه فإذا بي أفاجأ أن بعض الشركات يتصلون بي ويرسل ثلاثة طرود مليئة بالكتب من سماحة الشيخ عن طريق ناصر الزهراني ترسل إلى الهند لمن طلبها هناك.
ومن الناحية الاجتماعية كتبت له عن امرأة فقيرة كاد بيتها أن يسقط عليها، فإذا بسماحته رحمه الله يرسل إلينا أن انظروا ماذا يكلف البيت وابعثوا لنا بالتكاليف؟ ففعلنا وبعثناه إلى سماحته، ولا أدري هل هي ممن ستحظى بالرد أم أن الشيخ وافته الأجل قبل أن يقرأها؟ المهم أن الشيخ رحمه الله سهل في عظمته متواضع في هيبته فريد في رفعته، وهو مثلما قال البحتري:
دان إلى أيدي العفاة وشاسع عن كل ند في العلا وضريب
كالبدر أفرط في العلو وضوءه للعصبة السارين جد قريب
يطوي الزمان بفعل الجميل من القول والصالح من العمل، ويطوي المكان بشمولية الاهتمام والرعاية لعباد الله في أصقاع الأرض، فهو كالغيث الهني مباركاً أينما كان، إن أصاب الأرض منه ري وإلا فطل، فهو عالمي يعلم أن الأمة واحدة وأن العالم الإسلامي كلٌ لا يتجزأ، وإن تباعدت أقطاره وتناثرت دياره، هو العضو الصالح البار الراشد، ربانيٌ فلا يقول إلا بالوحي نصاً وروحاً، ونصاً ودقة، وهو وليٌ والولاية ظاهرة بالسمت والزي والاستقامة.
إيمان عميق، وهمة عالية، وخشوع وخضوع، فرحمه الله رحمة واسعة، اسمحو لي أن أقرأ عليكم أبياتاً من قصيدته المشهورة بازية الدعوة التي قدم لها أربعة علماء وأربعة وزراء ومنهم فضيلة الشيخ معالي الوزير عبد الله حفظه الله أختم هذه المشاركة بهذه الخمسة الأبيات، فهل تأذنون؟ المقدم: تفضل بارك الله فيك.
المتصل:
في الجود مدرسة في البذل مملكة في العلم نابغة أستاذ أجيال
الحق مذهبه والنصح يعجبه والذكر يطربه يحيا به.
العلم مؤنسه والله يحرسه ما كان مجلسه للقيل والقال
العين دامعة والكف ضارعة والنفس خاشعة من خشية الوالي
يا درة العصر يا بحر العلوم فما رأت لك العين من ند وأمثال
المقدم: بارك الله فيك في الحقيقة أتحفتنا بقطعتين أدبيتين إحداهما نثرية والأخرى شعرية.
المتصل: ليت المجال يسمح وأقول أكثر من هذا، وعندي إن شاء الله تسعون حلقة أذكرها عن الشيخ رحمه الله.
المقدم: والله نحن قرأنا عن هذا في الصحف، ونهنئك على هذه الروح وهذا التعب، وشكر الله لك يا (دكتور) ناصر.