الحمد لله الذي جعل جنة الفردوس لعباده المؤمنين نزلاً، أفاض عليهم فيها من النعم، وكساهم من الحلل فلا يبغون عنها حولاً، ويسر المكلفين للأعمال، وهداهم النجدين؛ ليبلوهم أيهم أحسن عملاً.
أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وأقام الحجة على خلقه؛ فهو لم يخلقهم عبثاً ولا سُدىً ولم يتركهم هملاً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله دعا إلى الحق، وأوضح المحجة؛ فلا نبغي عن محجته بدلاً.
صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وذريته وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله حق تقاته، وسارعوا إلى مغفرة ربكم ومرضاته، وأجيبوا الداعي إلى دار كرامته وجناته؛ فالعمر سريع الذهاب بساعاته وأوقاته.
أيها المسلمون: الحديث عن النعيم المقيم، والإيمان الراسخ بالنزل الكريم؛ من الغفور الرحيم، هو سلوة الأحزان، وحياة القلوب، وحادي النفوس، ومهيجها إلى ابتغاء القرب من ربها ومولاها، الحديث عن النعيم والرضوان لا يسأمه الجليس، ولا يمله الأنيس، عزت دار الفردوس من دار، وجل فيها المبتغى والمرام، دار وجنان تبلغ النفوس فيها منيتها ومناها، غرفٌ مبنية طابت للأبرار منازلها وسكناها، جل وتقدس من سوَّاها وبناها.
غرسها الرحمن بيده، وجعلها مستقراً لأهله وخاصته، وملأها برضوانه ورحمته، فيها الفوز العظيم، والملك الكبير، والنعيم المقيم، ولموضع سوطٍ فيها خيرٌ من الدنيا وما فيها: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185].
أيها الإخوة: وهذا حديث ذكرى، وتذكير من آي الكتاب، وخبر سيد الأخيار والأحباب، نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، حديث ذكرى وتذكير عما أعده ربنا جل وتقدس لعباده المتقين، من جناتٍ وعيون ومقامٍ كريم.
أيها الإخوة في الله: يحشر المتقون إلى الرحمن وفداً، ويساقون إلى الجنة زمراً، لقد وجدوا ما وعدهم ربهم حقاً رضي الله عنهم ورضوا عنه، ناداهم عز جلاله: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:68 - 71].
أول زمرة منهم يدخلون على صورة القمر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكبٍ دريٍ، على خلق رجلٍ واحد على صورة أبيهم آدم، لا اختلاف بينهم، ولا تباعد بين قلوبهم؛ على قلبٍ واحد يسبحون الله بكرة وعشياً: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس:10].