الحمد لله العليم الخبير، تعالى وتقدس عن الشبيه والنظير، أحمده سبحانه وأشكره، قبل من عباده اليسير، وأعطى من فضله الكثير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله البشير النذير والسراج المنير، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله! واستمسكوا من دينكم العروة الوثقى، واحذروا أن تؤثروا ما يفنى على ما يبقى، ولا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور.
أيها الإخوة: وتختم هذه الخطبة العظيمة بتوجيه الخطاب إلى نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّه ُ) [الكهف:23 - 24] فإذا كانت القصة تحكي حال الغيب الماضي، فكذلك حال غيب المستقبل، إن كل حركة وسكون وكل نفس من الأنفاس مربوط بإرادة الحي القيوم، وسجل الغيب محاطٌ بحجب عن الأعين والعقول فهي غير قادرة على أن تدرك ما وراء هذه الحجب فالعقول محدودة وقوى البشر قاصرة، وهذه العقيدة الراسخة الثابتة في الغيب، والأسباب لا تدعو إلى كسر التوكل، ولكنها تحقق التوازن بين التوكل والأخذ بالأسباب، فلا يحس المرء بالخوف والتردد وهو يفكر ويدبر ويخطط، كما لا يشعر بالغرور والبطر وهو ينجح ويفلح ويحقق، مرتبط بالله وذكره، مؤمل في هدايته ورشده: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً} [الكهف:24].
ثم الوصية الأخرى لنبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ومن معه بالتمسك بحبل الله، بالتمسك بالسبب الأقوى سبيل الإيمان وسبيل القرآن ذلكم هو لزوم الذين سعدوا بالإيمان والتوحيد واليقين والذكر والدعاء وإن كان حظهم من الدنيا قليلا، ونصيبهم في المتع منقوصا: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:28].
ثم التحذير والنهي عن الانسياق مع من قد تعلق بالمادة وزخارفها المتشبع بروحها، قد انغلق قلبه وأسرف على نفسه: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28].
هذه هي القصة وتلكم هي الوصايا، فاسمعوا رحمكم الله وعوا، واقرءوا وتدبروا، ثم صلوا وسلموا على رحمة الله المهداة النبي الأمي محمد رسول الله فقد أمركم بذلك ربكم، فقال عز قائلاً عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56].
اللهم صلَّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد نبي الرحمة والملحمة، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين،، اللهم أعز الإسلام والمسلمين،، اللهم أعز الإسلام والمسلمين.