الشرك: هو مساواة غير الله بالله فيما هو من خصائص الله، هذا هو الشرك.
ولا أحب أن أقف حقيقة عند التعريف؛ فبالشرك يتجلى التوحيد، والشرك مساواة غير الله بالله فيما هو من خصائص الله، لكن نقف عند صفتين تبين كيف يتجلى توحيد العبادة.
الله عز وجل قال في الكفار: بسم الله الرحمن الرحيم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1] أي: يساوون، يساوونه بماذا؟ معلوم أنهم لم يساووه بالخلق، فلم يعتقدوا أن آلهتهم تخلق وترزق، وإنما يساوونه بأفعالهم، يصرفونها لغير الله عز وجل، وبخاصة المحبة والتعظيم والتذلل والخضوع.
وكذلك أيضاً في قوله تعالى حينما يتحاج أهل النار في النار ومع معبوداتهم من دون الله: {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:97 - 98] فهم ما ساووهم بالخلق ولا بالرزق وإنما ساووهم بالعبادة والمحبة والخضوع.
وإذا كان الأمر كذلك ولأجل أن نميز حينما قلنا إن الشرك هو: مساواة غير الله بالله فيما هو من خصائص الله نقول: الإنسان يحب ويخاف، والله وضع فينا غرائز الحب، وغرائز الخوف، فالله قال في حق نبيه وكليمه موسى عليه السلام: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} [طه:67] وقال في حق إبراهيم وهو صاحب الملة الحنفية وهو القدوة: {وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} [هود:70] هذه خيفة فطرية لا تدخل فيما قلنا من أنه من خصائص الله، فالخوف الجبلي والفطري أن تخاف من السبع والأسد، وأحياناً قد تخاف من آخر الليل أو تخاف من البرية تستوحش، هذا خوف جبلي ليس له علاقة بالتوحيد، وأنت لست ملوماً في هذا.
وكذلك الحب، فالإنسان يحب أهله وأولاده وزوجه، ويحب أباه وأمه، ويحب أمواله كما قال عز وجل في كثيرٍ من المحبوبات: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا} [التوبة:24] هذا بطبيعة أننا نحبها، فمحبتنا لها محبة فطرية وجبلية، والله وضعها فينا؛ لأجل أن تقوم الحياة حينما خلقنا واستخلفنا في هذه الأرض واستعمرنا فيها وطلب عمارتها، جعل فينا هذه الغرائز حتى نتعلم ونتشبث بقدر من نقوم من المهمة التي استخلفنا الله عز وجل فيها.
فهذا الحب فطري، كأن يحب الإنسان أهله إلخ، لكن حينما يرقى وينازع حق الله عز وجل في الحب، وحق الله في الخوف، وحق الله في الخضوع وحق الله في التذلل والانقياد والرغبة والرهبة، حينئذ تأتي خصائص الله سبحانه وتعالى، ولهذا قال سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:165] والآية التي تلوناها قبل قليل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْأِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا} [التوبة:23 - 24].
إذاً: القضية موازنة، والخوف الفطري والحب الفطري لا إشكال فيه، لكن أن ينازع أو أن يغلب أو أن يطغى على حب الله عز وجل وعلى الخوف منه وعلى تعظيمه وإجلاله سبحانه وتعالى؛ حينئذ يدخل الإنسان في دائرة الخطر، ومن هنا يا إخواني جاء التحذير من الشرك في كثيرٍ من الآيات التي سوف نراها إن شاء الله.
ولهذا إذا لاحظتم المنحرفين في عقائدهم -وخاصة في بعض المنتسبين للإسلام في كثيرٍ من الأقطار- من خلال تعلقهم بالقبور والأضرحة، ترون أنه حب وخوف وتعلق وتعظيم، وتعليق في نفعٍ وضر وتعلق ولهان، لو كانوا يعلمون حق المعرفة ويعتقدون صحة الاعتقاد بأن الله هو النافع الضار، وأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يجب إفراده في التعظيم والمحبة والإجلال؛ لما كان ذلك منهم، ومن هنا سوف نرى -إن شاء الله- طريقة تعليم التوحيد.
إذاً: يا إخواني! هذا هو التوحيد من حيث تعريفه، ومن حيث بيان ضده كذلك الذي هو الشرك؛ لأن بضدها تتبين الأشياء.
ثم أيضاً من أسماء هذا التوحيد: الفقه الأكبر، ولاشك أن المسلم المطلوب منه أن يتفقه في دينه كما في قوله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة:122] والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {من يرد الله به خيراً يفقه في الدين} فأولى الفقه وأهمه وأعظمه وأكبره فقه التوحيد، بمعنى فقه العقيدة، ولاشك أن الأحكام يجب أن تعرفها؛ لتقيم بها دينك؛ لأنها هي أيضاً من وسائل تحقيق التوحيد ولاشك.
لكن أهمية الفقه الأكبر كما عرفه أبو هريرة رضي الله عنه أنه قال: [[معرفة النفس ما لها وما عليها]] فأولاها هو فقه العقيدة والتوحيد.