آمنت خديجة رضي الله عنها برسول الله صلى الله عليه وسلم، بل يقول ابن الأثير: خديجة أول خلق الله إسلاماً بإجماع المسلمين، فسبقت نساء هذه الأمة بل سبقت نساءها ورجالها رضي الله عنها وأرضاها.
ويقول ابن حجر: قوة يقينها، ووفرة عقلها، وصحة عزمها؛ لا جرم كانت أفضل نسائها.
قال العلماء: ولم يكن حينئذٍ على وجه الأرض بيت إسلام إلا بيتها، قالوا: وهي فضيلة ما شاركها فيها غيرها.
إنها الزوجة الكريمة القائمة بالمسئولية على تمامها تخفف عن زوجها ما يلاقي، وتهون عليه ما يواجه لها مقام صدقٍ من أول البعثة لا يسمع شيئاً مما يكره من تكذيب ورد إلا فرج الله عنه بها، فإذا رجع إليها خففت عنه وواسته بحسن لفظها، وعمق مشورتها، ووفرة مالها، فأحسن الله مثوبتها، ورفع درجاتها، وأعلى مقامها، حتى استحقت أن ينقل لها الروح الأمين جبريل سلام رب العزة.
جاء في خبر الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: {أتى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد! هذه خديجة قد أتتك بإناء فيه إدامٌ وطعام وشراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني -وفي بعض الروايات- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا خديجة هذا جبريل يقرئك السلام، قالت: لله السلام ومنه السلام، وعلى جبريل السلام -وفي بعضها- وعليك السلام ورحمة الله وبركاته}.
ولا غرو أن يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين أيضاً: {خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد} ويقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: {خط رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة خطوط في الأرض، ثم قال: هل تعلمون ما هذا؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم -امرأة فرعون-، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد} وقد جاءتها البشارة بالجنة من ربها في حياتها، فقد جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: {بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب}.
ومن لطائف الأسرار التي لاحظها العلماء في هذا البيت الذي خص الله به خديجة رضي الله عنها أنه بيت خاص زائد على ما أعده الله لها من ثواب عملها، وقالوا: والقصب لؤلؤة مجوفة واسعة كالقصر المنيف، وقد جاء عند الطبراني في الأوسط من حديث فاطمة رضي الله عنها قالت: {قلت: يا رسول الله! أين أمي خديجة؟ قال: في بيت من قصب.
قلت: أمن هذا القصب؟ قال: لا.
من القصب المنظوم بالدر واللؤلؤ والياقوت} قال السهيلي: والنكتة في قولهم: (القصب) ولم يقل: من لؤلؤ لأن في لفظ القصب مناسبة؛ وذلك لكونها أحرزت قصب السبق بمبادرتها بالإيمان قبل غيرها، ثم إنه لا صخب فيه ولا نصب، أي: لا منازعات ترتفع معها الأصوات، وهذا مناسب لما كانت عليه خديجة رضي الله عنها من حسن الاستجابة والطاعة، فلم تحوج زوجها إلى رفع صوت ولا منازعة ولا تعب؛ بل أزالت عنه كل نصب، وآنسته من كل وحشة، وهونت عليه كل عصيب، وكانت حريصة على رضاه من كل ممكن، ولم يصدر منها ما يغضبه قط؛ فناسب أن يكون منزلها الذي بشرت به من ربها بالصفة المقابلة لفعلها، فهي لم تصخب عليه، ولم تتعبه يوماً من الدهر.