تزوجها عليه الصلاة والسلام وعمره خمس وعشرون سنة وعمرها أربعون سنة.
عاشت خديجة في كنف رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاش في كنفها خمساً وعشرين سنة، رافقته أفضل رفقة، وألفته أعظم ألفة، وصادقته أوفى محبة؛ بل كانت رضي الله عنها لا ترى ميله إلى شيء إلا بادرت به إليه، وقد رأت قبل بعثته ميله إلى مولاه زيد بن حارثة فوهبته له.
ولما أكرم الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم برسالته، ونزل عليه الحق وهو في غار حراء ونبئ بإقرأ رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على زوجته خديجة فقال: {زملوني زملوني! فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لـ خديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلا والله.
لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرئ الضيف، وتعين على نوائب الدهر}.
أيها الإخوة! هذا هو البيت، وهذه هي ربته، وهذه هي الحياة الزوجية والأسرية، لقد بادرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرض عليها الحال مع خطر الأمر وشدته وعظم أهميته، وما ذلك إلا لما يعرف من كمال نظرها، وحسن برها، ووفرة عقلها، ورباطة جأشها، ونفاذ بصيرتها.
يقول ابن القيم رحمه الله: استدلت بما فيه من الصفات والأخلاق والشيم على أن من كان كذلك لا يخزى أبداً، فقال ابن القيم: فعلمت بكمال عقلها، وسلامة فطرتها، أن الأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة، والشيم الشريفة، تناسب أشكالها من كرامة الله وتأييده وإحسانه لا تناسب الخزي والخذلان.
نعم.
لقد رأت بنظرها الحصيف حتى أقسمت قسماً لا حنث فيه، فنفت الخزي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر استقرائي.
لقد كان موقفاً من أشرف المواقف التي تُحمد من امرأة في الأولين والآخرين طمأنته حين قلق، وأراحته حين جهل، وذكرته بفضائله وجميل فعائله، فالأبرار مثله لا يخذلون، والكرام مثله لا يخزون، وإن الله إذا طبع رجلاً على المكارم الجزلة والمنابت السمحة؛ فليكن أهل إعزازه وإحسانه.