إن أهل الإسلام يرفضون بحسم وحزم كل هذه المظاهر والنتائج، فالزنا فاحشة موبقة، وكبيرة من كبائر الذنوب توصَد كل الأبواب المفضية إليها، ويعاقَب على وقوعها بالجلد والتغريب للبكر، والقتل للثيب بالرجم، الأسرة وحدها هي الملتقى المشروع لأشراف الناس وكرام بني آدم.
المجتمع المسلم الطاهر يمقت الزنا، ويمقت مقدماته، وينكر بواعثه ودواعيه، وليس فيه إلا علاقات طاهرة، على أساس من أحكام الشرع والمشاعر الإنسانية الراقية، يلتقي عليها قلبان وروحان وإنسانان، وليس متعتين مجردتين وجسدين متباعدين: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المعارج:29 - 30].
لقد قطعت شريعتنا دابر هذه الجريمة، ووضعت لها جزاءً حاسماً في صرامة جادة، وحذرت من الرأفة بالفاعلين، وزجرت عن تعطيل الحد أو الترفق في إقامته، بل أمرت بإقامته في محضر مشهود في طائفة من المؤمنين {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور:2].
ولقد علم الله والمؤمنون أن الدماء لا تحفظ، والأموال لا تصان، والأعراض لا تحترم، والبلاد لا تصلح، والعباد لا تستقيم، والأمن لا يسود إلا بإقامة الحدود وقطع الأكف الآثمة وسد الأفواه الأفاكة.
حدود الله شرعت لتحفظ النفوس من التعديات الآثمة والنزوات الطائشة.
الزاني المحصن إذا ثبت زناه استُبِيح دمه، فكان قريناً لتارك دينه وقاتل نفسه: {لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة}.
الله أكبر أيها المسلمون! وهل رأيتم أكبر من هذه الجرائم الثلاث؟! أليس من السر الذي يلفت نظر العقلاء أن دين الإسلام -وهو دين الرحمة والرأفة حتى مع الحيوان- وقف هذا الموقف الشديد مع هؤلاء الزناة والزواني؟! أليس هذا الدين الذي يحب الستر ويدعو إليه يقيم هذا الحد على مشهد من المؤمنين؟!
لماذا كل هذا أيها الإخوة؟!
إن الرأفة بالزناة ممن ثبت زناهم، وتحققت جنايتهم، إنما هي قسوة على المجتمع، وقسوة على الآداب الإنسانية، وقسوة على الضمير البشري، بل قسوة على حقوق الإنسان.
إن القسوة في الحد أرأف ثم أرأف بالمجتمع مما ينتظره من شيوع الفواحش، لتفسد الفطرة، وترتكس في حمأة الرذيلة، وتعيش في بيئة الأدواء والأمراض.
نعم! إن الحد جلد وقتل وقطع، فلتشمئز نفوس الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولتغتظ صدور الذين لا يرضون بحكم الله.
تباً لهم! لقد قالوا: إن إقامة الحدود غلظة وقسوة ووحشية، لا تليق بحضارات اليوم.
ويحهم! ماذا فعلوا بالأبرياء؟! وما هو مصير الضعفاء؟! ألم ينسفوا بمخترعاتهم الجهنمية مدناً آمنة؟! ألم يدكوا عواصم عامرة تعج بالألوف والملايين، لا ذنب لهم ولا خطيئة سوى الظلم والهمجية؟! فيا لوحشة هذا المتحضِّر! ويا لخراب هذا المتنوِّر، هل علومهم ومعارفهم أتت بكل هذه البلايا؟!
وبعد أيها الإخوة: فلو حفظت شريعة الله في كل بلاد المسلمين، ولو أقيمت حدود الله، وحيل بين الذين يتعدونها، لما رأيت في كثير من البلاد مظاهر السقوط في الحضيض، ولما تغير عليهم ما تغير {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11].
ألم يعلموا أن حفظ الفروج سبيل للفرج في الدنيا والتوفيق في المسيرة؟! واذكروا إن شئتم قصة صاحب الغار حين فرج الله عليه بعفته عن الحرام.
ألم يعلموا أن حفظ الشهوات سبيل للاستظلال بظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله، واذكروا ذلك العفيف الذي دعته ذات الحسن والجمال فاعتصم بخوفه من الله.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [النور:26].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي محمد صلى الله عليه وسلم.
وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.