حاجة الإنسان إلى مرجعية تحفظ حقوقه

الحمد لله خلق الإنسان فسواه فعدَّله، في أي صورة ما شاء ركبه، هدى البشرية النجدين، فكان منهم برٌ تقي همته طلب الخيرات، وبغيته الزلفى وحسن المآب، ومنهم فاجرٌ شقي منصرفٌ إلى المتع واللذائذ، اتبع هواه، وتقطعت به الأسباب.

أحمد ربي سبحانه وأشكره، له الحكمة البالغة، وإليه يُرجع الأمر كله وهو الكريم الوهاب.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً تُنجي قائلها يوم الحساب، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، خُتِم به النبيين، وأنزل عليه أشرف كتاب، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه خيرُ آلٍ وأكرم أصحاب، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله -رحمكم الله- وأذلوا الدنيا بالزهد فيها، وأعزوا الآخرة بالإقبال عليها، واحذروا المعاصي وكفر النعم، فقلَّما كفر قومٌ بنعمة ولم يرجعوا إلى التوبة؛ إلا سُلِبوا عزهم، وسُلط عليهم عدوهم، ومن خاف اليوم أمن غداً، والربح المضمون لمن باع قليلاً بكثير، وفائتاً بباقي: {ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة:94].

أيها المسلمون: الإنسان السوي يتطلع بفطرته إلى مرجعية تُنظِّم أموره، وتضبط موازينه، وترتب حياته، وتنتشله من دوامات الضياع، وتحفظ له حقوقه، وتبسط له أمنه في دينه ودمه وماله وعرضه، في شمولية متماسكة متناسقة، هذه الحقوق المحفوظة، والأمن المبسوط مردها إلى فطرة الله التي فطر الناس عليها حقٌ في الحياة وحقٌ في الحرية وحقٌ في العدل وحقٌ في العيش الكريم، حقهم في أن يحُفظوا في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وعقائدهم، كل ذلك منحٌ من الله عز وجل، فالناس قد ولدتهم أمهاتهم أحراراً.

إن حقوق الإنسان لا تستورد ولا تقرض، ولكنها تنمو نمواً، وتولد ولادة طبيعية، رحمها المجتمع، ورأسها الدين الذي يرتضيه الله للناس، وركناها القائمان عليها: الدولة والأمة، يُسيرها عقدٌ مُبرم بين ولي الأمر ورعيته.

أيها المسلمون: وإذا كان الأمر كذلك؛ فلا يتصور أن يكون أحدٌ ضد حقوق الإنسان، ولا ضد من يقوم على حراستها وحمايتها والدفاع عنها، وإذا كان من الشنيع والفظيع أن يكون أحدٌ ضدها، فإنَّ من الأشنع والأفظع أن يضطرب في تحديدها، وبيان حقائقها، وضبط معاييرها وموازينها، والأشد شناعة والأكثر فظاعة أن تكون ميداناً للمساومة والمزايدة.

إنَّ كل من يحترم نفسه هو مع حقوق الإنسان بلا حدود وبلا تحفظات ما دامت منضبطة بضوابط النظام واضحة المعالم، فالحرية لا تعني التفلت من المسئولية، وحرية القول لا تعني حرية السب والشتم، وحرية الفكر لا تعني حرية الكفر والهدم، وحرية الانتقال لا تعني حرية الاستيلاء والاحتلال.

نعم! إنَّ مما يجب تأكيده: أن هذه الحقوق يجب أن تُحفظ وتُصان، وما يقع من ممارسات يُهضم فيها حقوق الإنسان فيجب أن يُحاسب مرتكبها والمقصر فيها، كما يجب أن يتقرر أن هناك اختلافاً وتبايناً بين الأمم في ديانتها ومعتقداتها، ويجب احترام عقيدة كل أمة ومستلزمات هذه العقيدة، وإنَّ من الإنصاف التوجه إلى معرفة ما لدى الآخرين بحيادية، ومن حق كل أحدٍ أن يسأل ويستفسر، وعلى من سُئِلَ أن يُوضح ويبين، غير أنَّ من دواعي الاستغراب أن يُوجد إعراض لدى بعض الجهات أو الهيئات والمنظمات في إدراك حقوق الإنسان في الإسلام، وإصرارها على عدم تفهم خصوصيات المجتمعات الإسلامية.

إنَّ عدم فهم هذه المنظمات والهيئات للإسلام وأحكامه، أو عدم استعدادها لسماع الإيضاحات لا يُعطيها الحق في تشويه صورته أو الطعن في مبادئه، وهي مبادئ وقيم من المؤكد وبكل ثقة وإصرار أن غايتها رُقي الإنسان والحفاظ على كرامته وحقوقه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015