عباد الله: ما حل بسالف الأمم من شديد العقوبات، ولا أُخِذوا مِن غِيَرٍ بفظيع المَثُلات، إلا بسبب التقصير في التوحيد والتقوى، وإيثار الشهوات، وغلبة الأهواء: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96].
إن كل نقص يصيب الناس في علومهم وأعمالهم، وقلوبهم وأبدانهم، وتدبيرهم وأحوالهم، وأشيائهم وممتلكاتهم، سببه -والله- الذنوب والمعاصي: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30] وقال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41].
إنَّ ما تُبْتَلى به الديار، من قلة الغيث، وغور الآبار، وما يصيب المواشي والزروع من نقصٍ وأضرار، ليس ذلك لعمر الله من نقص في جود الباري جل شأنه وعَظُم فضله، كلا ثم كلا!
ولكن سبب ذلك كله إضاعة أمر الله، والتقصير في جنب الله.
إن المعاصي تفسد الديار العامرة، وتسلب النعم الباطنة والظاهرة، كيف يطمع العبد في الحصول من ربه على ما يحب، وهو مقصر فيما يجب، ذنوب ومعاصٍ إلى الله منها المشتكى، وإليه وحده المفر، وبه سبحانه المعتصَم.
اضطراب عقدي، وتحلل فكري، وتدهور أخلاقي، جَلََبَته قنواتٌ فضائية، ووسائلُ إعلامية، وشبكاتٌ معلوماتية، رِباً وَزِناً، وضعفٌ في العفة والحشمة، فتنٌ ومحنٌ بألوانها وأوصافها، ألوان من الجرائم والفسوق والفجور والانحراف، بل إلحاد وكفريات، من خلال كثير من القنوات، ثم تظالُمٌ بين العباد، وأكلٌ للحقوق، ونهبٌ لأموال الناس بالباطل، كيف يُرجَى حصول الغيث وفي الناس مقيمون على الغش، ومصرُّون على الخيانات، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد برئ من الغش والكذب، والمكاسب الخبيثة تستدرج صاحبها، حتى تمحقه محقاً، وتنزع البركة منه نزعاً.
نعم، لولا الذنوب وآثارها، والمظالم وشؤمها، لصبت السماء أمطارها، ولبادرت غيثها ومدرارها.