أيها المسلم: وينبغي قراءة الفاتحة على مكثٍ وحسن ترتيل وتمهل بخشوع وتدبر، يقف على رءوس الآي، ويعطي القراءة حقها اتقاناً وتجويداً، بعيداً عن التكلف، مع إخلاصٍ يطرد الغفلة، ويجلب الخشية، ويعين على الفهم، ويستفيض ما غاص من الدمع، ففي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب}، وعند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من صلى صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج} بل إن الله عز شأنه في الحديث القدسي سمَّى الفاتحة صلاة؛ بياناً لعظم شأنها، وكبر منزلتها، فقد أخرج الإمامان مالك ومسلم رحمهما الله وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] قال: مجدني عبدي، وقال مرة: فوض إليَّ عبدي، فإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6 - 7] قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل} واللفظ لـ مسلم.
ثم بعد الفراغ من الفاتحة يُشرع التأمين، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: آمين، يمد بها صوته.
معاشر المسلمين: هذه هي سورة الفاتحة أم القرآن سبع آيات محكمات، فيها حمد الله وتمجيده، وذكر المعاد، والجزاء، وتوحيد الله، وإخلاص العبادة له، والتضرع إليه بسؤال الهداية إلى صراطه المستقيم، والثبات عليه، فالصراط المستقيم هو القائد إلى الصراط الممدود يوم القيامة، المفضي لمن سلكه إلى جنات النعيم، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
والحذر ثم الحذر من مسالك الباطل وأهله ممن غضب الله عليه ولعنه وأضله، وتجنب طريقهم لئلا يحشر معهم.
ألا فاتقوا الله رحمكم الله، وأحسنوا القراءة لكتاب ربكم والتدبر والعمل، فقد أنزله ربكم تذكرةً لمن يخشى، ويسره للذكر فهل من مدكر.
ثم صلوا وسلموا على نبي الرحمة والملحمة نبيكم محمد رسول الله، فقد أمركم بذلك ربكم فقال في محكم تنزيله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، والخلق الأكمل، وعلى آله وأزواجه وذريته، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشدين، الأئمة المهديين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الدين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق والتوفيق والتأييد والتسديد إمامنا وولي أمرنا، واكتب له الصحة والسلامة والعافية، وأعز به دينك، وأعل به كلمتك، وارزقه البطانة الصالحة، التي تدله على الخير وتعينه عليه، اللهم وأيده بالحق وأيد الحق به، واجمع به كلمة الحق يا رب العالمين!
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة لرعاياهم، واجمعهم على الحق يا رب العالمين!
اللهم وأبرم لأمة الإسلام أمر رشدٍ، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، إنك على كل شيء قدير.
اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لنصرة دينك، وإعلاء كلمتك، اللهم انصرهم في فلسطين وكشمير وفي الشيشان وفي كل مكان يا رب العالمين!
اللهم أيدهم وسددهم، اللهم سدد سهامهم وآراءهم، واجمع كلمتهم، ووحد صفوفهم، اللهم واجعل الدائرة على أعدائهم، اللهم وشتت شملهم، وفرِّق جمعهم، واجعل بأسهم بينهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يُرَّد عن القوم المجرمين.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.
فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.