قال أهل العلم: إن مواضع العبادات لا تتفاضل فيما بينها من جهة العبادة، ولكنها تتفاضل بما تختص به من طول الزمان، وقِدَم البنيان، والنسبة إلى الباني وحسن المقصد، وقد جمع الله ذلك كله لهذا البيت المحرم.
فهو أول بيت وُضِع للناس، وقد نسبه الله عز وجل لنفسه تشريفاً وتكريماً: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ} [الحج:26] وقد باشر بناءه إبراهيم وإسماعيل ومحمد عليهم الصلاة والسلام.
ثم الحظوا هذا السر: فإن الله سبحانه وتعالى لَمَّا أراد أن يفرض على عباده حج بيته، قدم بذكر محاسن البيت، وعِظَم شأنه، وكبير شرفه، تشويقاً وإغراءً وتمجيداً وتشريفاً، فقال عز شأنه: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:96 - 97].
بيت الله مبارك، الصلاة فيه بمائة ألف صلاة، والحسنات فيه مضاعفة، أفاض الله عليه من بركات الأرض، وثمرات كل شيء في وادٍ غيرِ ذي زرع، فيه من الأقوات أكثرها، ومن الثمار أجودها، ومن الأثمان أقلها، ثمرات تُجْبَى إليه من حيث تكون، فتُساق إلى مكة سَوقاً، تهوي إليه أفئدةٌ من الناس من أشراف الأمم، وأعيانها، وعلمائها، وصلحائها، ومن كل طبقاتها، رجالاً وركباناً، يأتون من كل فج عميق، شدوا الرحال إلى بيت الله فرضٌ وحتمٌ على كل مسلم مستطيع.
وقصد البيت مكفر للذنوب {مَن حج فلم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه} والمتابعة بين الحج والعمرة تنفي الفقر والذنوب.