ويمكن أن يأتي العاقل اليوم فيستقى منها كيف يتعامل مع الأحداث من حوله: أولها: أن المؤمن عبد مأمور يستسلم لأمر ربه وإن رأى أنه مخالف لهواه، لكنه يطوع هواه لأن يكون تبعاً لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم عن ربه، فالدين في مجمله: استسلام وانقياد لأوامر الله، وفق شرع محمد صلى الله عليه وسلم.
هو دين رب العالمين وشرعه وهو القديم وسيد الأديانِ هو دين آدم والملائك قبله هو دين نوح صاحب الطوفان هو دين إبراهيم وابنيه معاً وبه نجا من لفحة النيران وبه فدى الله الذبيح من البلا لما فداه بأعظم القربان هو دين يحيى مع أبيه وأمه نعم الصبي وحبذا الشيخان هذا هو التوحيد، ثم جاء بعدها: وكمال دين الله شرع محمد صلى عليه منزل القرآن فالإنسان يأخذ ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم عن ربه، ويأتمر به، وينقاد إليه، وأما أن يأتي الإنسان لمصالحه ورغباته وأهوائه، فيريد أن يطوعها كما يشاء، فهذا لا ننفي عنه الإيمان بالكلية، لكن لا يمكن أن يرقى إلى أهل الإيمان المؤتمنين على دين الله جل وعلا في نشره، ولن يستطيع أحد أن يحمل الدين ويقوم به على الوجه الأكمل، والنحو الأتم، ويبلغه الناس؛ حتى يؤمن به أولاً، وحتى يكون روحاً وجسداً طوعاً لأوامر الله، فإذا كان هوى النفس ورغباتها تبعاً لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم عن ربه أصبح هذا الرجل حقاً صادق الإيمان، وهذا هو الذي يستطيع أن يحمل الراية، لكن الإنسان قد يأتي آخر الناس في المسجد، ويريد أن يكون أول الصفوف في القتال، أو يعكس الوضع، يكون أول الناس في المسجد، ويريد أن يكون آخر الصفوف في ساحات القتال الشرعي، أو غير ذلك، لكن المرء يكون هواه حقاً تبعاً لما جاء به محمد صلى الله وعليه وسلم عن ربه جل وعلا.
ومن هذه القضية يؤخذ: أنه يسهل على النفس أن تجد أعذاراً فيما لا تريد، كما فعل المنافقون والقرشيون واليهود، فقد وجدوا أعذاراً في تحويل القبلة، والأمة تبتلى وتختبر على مر الدهور وكر العصور، في كل آن وحين كما قال الله: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [البقرة:143].
والله يقول: {يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} [التوبة:126].
فابتلاء الناس واختبارهم بالأحداث العظام يتكرر في التاريخ كله، فإذا أقبلت الفتنة عميت على الناس، ولا يعرفها إلا من رزقه الله جل وعلا رسوخاً في العلم، فإذا أدبرت وانتهت أضحت بجلاء لكثير من الناس، وأما أن يبقى فئام في إقبال الفتنة أو في إدبارها وهم سواء، فلا يريدون أن يروا إلا ما يريدون أن يروه، وإذا كان الإنسان لا يحب أن يسمع إلا كلاماً يحبه، ولا يحب أن يرى إلا واقعاً يريده، فهذا لن يبصر ولن يسمع، لكن العاقل يرى الأشياء على ما هي عليه، ثم ينظر كيف يتعامل معها وفق شرع الرب تبارك وتعالى.
ويسهل على الشاب الذي تتثاقل قدمه عن الصلاة أن يقول: إن الإمام حيناً يتأخر في الإقامة ويطيل في الصلاة، أو يقول العكس فيظهر أنه رجل تقي بار فيقول: هذا الإمام لا يطيل الصلاة ولا أجد نفسي أخشع وراءه، فلو ذهب إلى المسجد النبوي أو غيره لقلنا: إنه صادق، لكن يبقى في البيت، ويتخذ من خطأ الإمام عذراً، فهذا حاله ليس مثل الأولين الذين ذكرناهم في مثال القبلة تماماً، بل هناك وجه شبه لا انفكاك منه عن حالة المنافقين، فالمنافقون قالوا: إما أن يكون محمد على الحق فترك الحق، وإما أن يكون محمد يزعم أن الحال الثاني على الحق فقد كان محمد على الباطل.
والمقصود: أن طرائق التأويل سهلة جداً لمن يريد أن يتبع الغواية ويخرج عن منهاج هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.