الحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرض والسماوات، له الأسماء الحسنى والصفات العلى، الرحمن على العرش استوي.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، بعثه ربه على حين فترة من الرسل ودروس من الكتب، فهدى به الخلائق وأبان به الطرائق، وأوضح المحجة وأقام الحجة، فصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اتبع بإحسان منهجه.
أما بعد: عباد الله! فأوصيكم ونفسي بتقوى الله وخشيته، والتقرب إليه جل وعلا بمحبته وطاعته، قال الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]، فلا يرينك الله يا أخيّ حيث نهاك، ولا يفقدنك الله جل وعلا حيث أمرك، وإن من أراد حفظاً من الله فليحفظ الله في أمره ونهيه تبارك وتعالى.
عباد الله! قد مضى الحديث فيما سبق عن الخلفاء الراشدين والأربعة المهديين رضي الله عنهم وأرضاهم، ذكرنا نتفاً وعظات، وعبراً ودلائل وآيات من موت أبي بكر واستشهاد عمر رضوان الله تعالى عليهما.
ونحن في هذا اليوم نستأنف الحديث عن مقتل ذي النورين عثمان رضي الله عنه وأبي السبطين علي رضي الله عنه وأرضاه.
أيها المؤمنون! ليس المقام مقام سرد للمرويات وذكر للأخبار والأقاصيص، وتبين الصحيح من السقيم، فهذا موطنه ومحله الطوال من المؤلفات والدراسات الأكاديمية في أروقة الجامعات، وإنما الحديث جملة عن خبر مقتلهما رضوان الله تعالى عليهما وما يمكن أن ينجم عن ذلك من عبر وعظات ننتفع بها في حياتنا ومعادنا، وحسبنا أن نقف على ثلاث منها، تذكيراً للعباد, وإقامة للحجة على الحاضر والباد.
أيها المؤمنون! قتل عثمان رضي الله عنه وأرضاه في يوم عُرف تاريخياً بيوم الدار، على يد ثلة من الخوارج وشقوا عصا الطاعة وخرجوا عن طاعته، حاصروا بيته زهاء أربعين يوماً، ثم أضرموا النيران من الخلف، ثم تمكنوا من دخول صحن الدار وهو يومئذ شيخٌ قد جاوز الثمانين فقتلوه رضي الله عنه وأرضاه.
قيل: إن أول قطرة من دمه نزلت على قول الله جل وعلا والمصحف بين يديه: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:137].
قتل رضي الله عنه ظلماً بإجماع أهل السنة، فهو عند أهل السنة جميعاً، أمير البررة وقتيل الفجرة رضي الله عنه وأرضاه.
وقد دفن في مكان يقال له: (حش كوكب) كان مجاوراً لبقيع الغرقد، فلما كانت ولاية أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه وأرضاه أدخل ذلك الحش في البقيع، وأمر الناس أن يدفنوا بجواره موتاهم حتى يصبح قبر عثمان داخل البقيع، وقد تم الأمر على ما هو مشاهد عياناً اليوم.
أما أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وأرضاه فقد قتل وهو غادٍ إلى صلاة الفجر صبيحة السابع عشر من شهر رمضان على يد خارجي آخر، يقال له عبد الرحمن بن ملجم المرادي، قتل علياً بسيف قد أعده وشحذه لهذه المهمة قبل أكثر من أربعين يوماً.
فقتل علي رضي الله عنه وأرضاه وهو غادٍ إلى صلاة الفجر يدعو الناس إليها، هذا على وجهه الإجمال خبر مقتلهما.