الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق فسوى وقدر فهدى وأخرج المرعى فجعله غثاءً أحوى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن مما صح خبره من السيرة العطرة والأيام النضرة ممن طابت حياته ومماته صلوات الله وسلامه عليه حديث أنس رضي الله تعالى عنه أنه قال: (إن زاهراً كان رجلاً من البادية، وكان يهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم من البادية هدية، وكان عليه الصلاة والسلام يعطيه قبل أن يذهب إلى البادية ويقول: إن زاهراً باديتنا ونحن حاضروه، وكان زاهر رجلاً دميماً، وكان صلى الله عليه وسلم يحبه، فأتاه ذات يوم وهو يبيع متاعه في السوق، فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال: من هذا؟ أرسلني، فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل زاهر لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلوات الله وسلامه عليه: من يشتري هذا العبد؟ فقال: يا رسول الله! إذاً -والله- تجدني كاسداً -أي: لا يشتريني أحد- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكنك عند الله لست بكاسد، أو قال: أنت عند الله غال).
إن هذه منزلة رجل من بادية أمة محمد، فكيف بمنزلة محمد صلى الله عليه وسلم عند ربه؟ يقول الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح:29] جعلني الله وإياكم ممن يقتدي بهديه.