بيان أن المسيح الدجال موجود الآن

الدجال مخلوق، وهذه أولى الحقائق، والله جل وعلا وحده هو الخالق، والدجال موجود الآن على الأظهر، ويدل على وجوده حديث الجساسة، وحديث الجساسة صبغة على حديث رواه مسلم في الصحيح عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها وأرضاها.

ومجمل الحديث فيه من الدلائل على أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر أمته من الدجال وأخبرهم عنه، ثم قدم إلى المدينة بعد ذلك الخبر النبوي تميم بن أوس الداري من غسان، وهي قبيلة عربية يمانية معروفة، فقد ركب تميم وأصحاب له البحر طلباً للتجارة، فماج بهم البحر شهراً، وضربتهم أمواج البحر إلى جزيرة في البحر، فلما دنوا منها وجدوا مخلوقاً غريب الخلقة، عليه شعر كثير، فسألوه: من يكون؟ قالت: أنا الجساسة.

قال الشراح: سميت بذلك؛ لأنها تتجسس الأخبار للدجال، فأدخلتهم إلى مكانه فرأوا رجلاً عظيم الخلقة مقيداً بيديه إلى عنقيه، قالوا: من أنت؟ فلم يستخفوه بسؤالهم؛ كان ثبتاً، قال: بل أنتم من أنتم؟ قالوا: نحن قوم من العرب ماج بنا البحر حتى آل بنا الأمر إليك، فسألهم عن ثلاثة مواطن في أرض فلسطين: عن نخل بيسان، وعن بحيرة طبرية، وعن عين في قرية يقال لها: زغر، فأجابوه أن نخل بيسان ما زال يثمر، وأن بحيرة طبرية ما زالت فيها ماء، وأن تلك العين ما زالت تنبع، فأخبر أن الأمر قريب أن يحرم الناس من هذا كله؛ بأن النخل لن يثمر وبأن البحيرة ستجف، وبأن العين ستنضب.

فسألهم عن نبي الأميين فأخبروه أنه خرج.

فسألهم: هل قاتله العرب؟ فأخبروه، فأخبرهم بعد أن أجابوه عن نفسه، قال: أنا المسيح الدجال، ويوشك أن أخرج.

بناء على صحة هذا الحديث الذي رواه مسلم في الصحيح فإن الدجال حي وهو مسيح ضلالة، كما أن عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام حي وهو مسيح هدى، مرفوع في السماء، قال الله جل وعلا: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء:157 - 158]، هذا الحديث عن مسيح الهداية عيسى بن مريم.

وكلاهما حي، وسيخرجان في آخر الزمان على ظاهر الأحاديث، ويكون على يدي عيسى بن مريم قتل المسيح الدجال.

قال: يوشك أن أخرج، ففي زمنه صلى الله عليه وسلم في المدينة تحدث صلى الله عليه وسلم ذات يوم عن الدجال، ورفع وخفض، أي: أكثر، حتى ظن الناس أن الدجال قريب منهم في نخل المدينة، فأخذوا يتحسسون من فيها، فسألهم صلى الله عليه وسلم: ما بالكم؟ فأخبروه أن طريقة عرضك للحديث جعلتنا نشعر أن الدجال قريب، فقال صلى الله عليه وسلم: (غير الدجال أنا أخوف عليكم، فإن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم)؛ لأن الفتن إنما تواجه بأمرين: تواجه بالعلم والإيمان، ولا يمكن أن يكون هناك أحد جمع الله في قلبه علماً وإيماناً مثل نبينا صلى الله عليه وسلم، فالنبي أراد أن يقول لهم: إنه لو خرج وأنا بين أظهركم فأنا كفيل أن أكشف باطله وأرد كيده بإذن الله.

ثم قال صلى الله عليه وسلم: (وإن يخرج بعدي -أي: وأنا لست فيكم- فكل امرئ منكم حجيج نفسه) وجاء في رواية صحيحة: (يكفيكم الله إياه بالصالحين).

على هذا أشيع أن غلاماً يهودياً يتقول أقوالاً تحدث لبساً، كان هذا المتقول اسمه صياف أو صاف وعرف بين الناس بكنية ابن صياد، وهذا الرجل يأتي بأمور يخلط فيها ما بين الكذب والصدق والحقيقة والخيال، فظنه بعض الناس أنه الدجال حتى هم عمر بقتله، ولم يكن يوم ذاك على ما يبدو لدى النبي صلى الله عليه وسلم علماً من ربه كامل في قضية الدجال، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عمر عن قتله.

ثم ما زال الوحي ينزل عليه صلى الله عليه وسلم ويعطيه الله جل وعلا أخباراً عن الدجال يتضح فيما بعد أنه لا يمكن أن يكون الدجال على الأظهر هو صاف أو ابن صياد ذلك الغلام اليهودي الذي كان حياً في المدينة.

لكن ذلك الغلام كان يطمع في المدح، ولفت النظر إليه، فتارة يخلط الصدق بالكذب، وتارة يتبرأ من كونه دجالاً، وتارة يقول أقوالاً يوهم الناس أنه هو المسيح الدجال.

وعلى هذا مات النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن أظهر الأدلة على أنه ليس الدجال أن النبي أخبر أن الدجال لا يدخل مكة ولا المدينة، وهذا الرجل كان يقطن في المدينة، وقد ثبت في رواية صحيحة أنه ادعى الإسلام وحج، ودخل مكة، لكن ينجم على هذا الإشكال خبر في الصحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه رأى في منامه كأنه عند الكعبة رجلاً تضرب لمته إلى منكبيه، يتقاطر منه كالجمان، قلت: من هذا؟ أي في المنام، قيل لي: هذا المسيح عيسى بن مريم، قال صلى الله عليه وسلم: فإذا خلفه رجل جعد قطط، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا المسيح الدجال.

الإشكال في الحديث كما حرره الحفاظ والعلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن هذه الرؤيا رآها وكأنه في المنام عند الكعبة، قالوا: فكيف يتفق هذا مع ما ثبت في صحيح الأخبار أن الدجال لا يدخل مكة ولا المدينة؟ وقد أجاب العلماء عن هذا بأجوبة عدة أرجحها والعلم عند الله أن هذه الرؤيا وإن كانت رؤيا الأنبياء حق إلا أنه لا يلزم أن تكون على ظاهرها، فكم من رؤيا رآها الأنبياء لا تقع على ظاهرها، كما رأى النبي صلى الله عليه وسلم عمر وله ثوب يجره، فكان تأويل هذا بالدين، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه يشرب لبناً خرج من أظافره، وأعطى فضلته لـ عمر، فكان تأويل هذا بالعلم، فهذه كلها أولت على غير ظاهرها، فكذلك رؤياه صلى الله عليه وسلم للدجال عند الكعبة يئول على غير ظاهره، وهذا أفضل ما قيل في تخريج الأحاديث، والعلم عند الله.

على هذا نقول: إن الدجال ما زال حياً على ظاهر رواية فاطمة بنت قيس رضي الله عنها وأرضاها.

والجواب عن الأحاديث التي وردت، حديث: (ما من نفس منفوسة يبقى عليها مائة عام) فهذا يحمل على أنه مستثنىً كما استثنى الله جل وعلا إبليس فإنه حي قطعاً، ولا يدخل في حديث العموم الذي أخبر عنه صلى الله عليه وسلم.

مات صلوات الله وسلامه عليه وقد بين للأمة ما يعنيها في أمر دينها: (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015