الأمر الثالث الذي ميز الله به رسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين: أنهم يخيرون عند الموت، فإذا دنا منهم ملك الموت ليقبض روحهم خيرهم بين الحياة والموت، فيختارون لقاء الله؛ إيثاراً لما عند الله على ما في الحياة الدنيا، ومعلوم قصة موسى والملك لما جاءه وفقأ موسى عينه، وذلك لما خيره بين الحياة والموت.
ونبينا صلى الله عليه وسلم -وهو صفوة الرسل وذروتهم عليه الصلاة والسلام- معلوم أنه ردد عند موته كما روى الأئمة الثقات في كتب الأحاديث أنه كان يقول: (بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى)، حتى روى البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت وهي تحكي قصة وفاته صلى الله عليه وسلم قالت: (فأخذته بحة شديدة ثم سمعته يقول: مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً)، قالت أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها: (فعلمت عندها أنه كان يخير بين الحياة وبين الموت).
والأثر الذي جاء عنه صلى الله عليه وسلم: أنه في آخر حياته لما شعر بدنو أجله بعد عودته صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع كان عليه الصلاة والسلام يكثر من الذهاب إلى البقيع -مقبرة أهل المدينة- فقام ساعة من الليل ومعه مولاه أبو مويهبة فذهب إلى أهل البقيع ودعا لهم واستغفر لهم، وقال: (ليهنكم ما أنتم فيه مما أصبح الناس فيه، أضحت الفتن كقطع الليل المظلم، ثم قال: يا أبا مويهبة! إنني خيرت ما بين الخلد في الدنيا ثم الجنة، فقال له أبو مويهبة رضي الله تعالى عنه: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي فاختر الخلد في الدنيا ثم الجنة، قال: لا يا أبا مويهبة إنني اخترت لقاء ربي ثم الجنة) صلوات الله وسلامه عليه، فموضع الشاهد منه: أن الأنبياء يخيرون عليهم الصلاة والسلام عند موتهم بين الحياة والموت.