معشر الأحبة! إن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث لا يمكن أن تمله القلوب المؤمنة، ولا يمكن أن تسأمه النفوس المسلمة، إنه حديث عن أحب حبيب إلينا من الخلق، وعن أقرب قريب إلينا من الناس، حديث عن صفوة الله من الخلق، حديث عن رسول الحق صلوات الله وسلامه عليه.
وإنه من يريد أن يعلم أينما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من قلبه فلينظر أين هو من سنته؟ فلينظر أين هو من الذود عن سنته؟ أين هو من الدعوة إلى دينه؟ أين هو من اقتفاء أثره؟ أين هو من التزام قلبه؟ صلوات الله وسلامه عليه.
كان ابن عمر رضي الله تعالى عنه يتوخى كل أمر يصنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كان يلبس النعل التي لا شعر لها، فلما كلم في ذلك قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعل التي لا شعر بها ويتوضأ بها ويصلي فيها، فإذا كان قد اتبعه حتى في النعل الذي يلبسه فما بالك إذاً في عظائم الأمور؟ إن محبة رسولنا صلى الله عليه وسلم هي الدين وهي عين الملة؛ لأنه صلوات الله وسلامه عليه الطريق الأوحد إلى رضوان ربنا جل جلاله.
فليست محبته فقط دموعاً في المحاجر، بل أمراً في سويداء القلوب، وإن كان ينبغي أن تكون كذلك، ولكن محبته صلى الله عليه وسلم أن نجعل الناس كلهم وراء ظهورنا إلا من أحب واقتفى أثر محمد صلى الله عليه وسلم، فلا ننظر إلى زيد ولا عمر، ولا إلى مشغول ولا مغمور، وأن نحب الناس ونعاديهم على مدى تمسكهم بسنة محمد صلوات الله وسلامه عليه، حشرنا الله وإياكم في زمرته، وسقانا الله وإياكم من حوضه، وأنال لنا الله وإياكم من شفاعته، {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89].
خاتمة المطاف وخاتمة الخواطر أيها المؤمنون! بعد هذا الذي سمعتموه: هلم إلى التوبة بعد هذا كله ما الذي ينبغي علي وعليك؟ ينبغي علينا أمر واحد: هو أن نسارع بلا تردد وأن نبادر بلا إحجام إلى أن نئوب إلى ربنا جل جلاله، لقد قالت اليهود يا أخي! في سالف الأزمان: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:181]، والله تبارك وتعالى هو الغني حقاً وسائر خلقه فقراء إليه.
لا تظنن يا أخي! أن الله تبارك وتعالى عندما يدعوك إلى عبادته ويدعوك إلى أن تسجد له وأن توحده وأن تعظم أمره وتحجم عن نهيه إنما هو في حاجة إليك تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
بل إن الأمر كما أخبر أنبياؤه: {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} [لقمان:12]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15].
الله تبارك وتعالى يا أخي! أغنى الأغنياء عن الشرك جل وعلا، مستو على عرشه، بائن عن خلقه، لا تضره معصية العاصين، ولا تنفعه طاعة الطائعين، يبسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ولكن الناس أنفسهم يظلمون.
فهلم أيها الأخ المؤمن! إلى توبة إلى ربنا جل جلاله خاصة وأننا نتفيأ ظلال هذا الشهر الكريم وهذه الليالي المباركة، إننا لا ندري بما يختم لنا، ولا ندري إلى أي أمر نصير: {أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} [الشورى:53]، فالسعيد كل السعادة من أعرض عن الشيطان، وأقبل على مولاه، وأسلم لله قلبه، وأسلم لله جوارحه، وأسلم لله دمعته، وأسلم لله محاجره، وأقبل على الله جل وعلا بقلب خالص، وتوبة ناصحة، وأوبة لا رجعة فيها، يستغفر ذنبه، ويرجو الله أن يمحو خطيئته، وأن يسبغ الله عليه رحمته، وأن يدفع الله تبارك وتعالى عنه نقمته.
كفانا ما خلا من أيام عمرت بالذنوب والمعاصي، وليال أظلمت بالذنوب والخطايا، ولنقبل أجمعين إلى ربنا جل وعلا، ولتعلم يا أخي! أن رحمة الله لا تضيق بشيء، يقول جل جلاله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} [الأعراف:156].
أسأل الله جل وعلا في خاتمة هذه الخواطر، وفي خاتمة هذه المحاضرة أن يمن علينا أجمعين بالتوبة النصوح والأوبة إليه إنه سميع مجيب، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وأعتذر إليكم معشر الأحبة! إن أطلت، وعفواً إن قصرت، فما أردت إلا الإصلاح ما استطعت: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88].