ولجأ إلى حائط في الطائف، فلما لجأ إليه صلوات الله وسلامه عليه رق له بعض الكبراء فأرسلوا له غلاماً نصرانياً يقال له: عواس فجمع بعض العنب، فلما وضع العنب بين يديه قال صلى الله عليه وسلم: باسم الله، فقال الغلام: هذا شيء لا يقوله أهل هذه البلدة، فقال صلى الله عليه وسلم: (من أنت وممن؟ قال: أنا نصراني من أهل نينوى، فقال صلوات الله وسلامه عليه: من بلدة النبي الصالح يونس بن متى، قال الغلام: وما يدريك ما يونس بن متى؟ قال: هو نبي وأنا نبي فأكب الغلام على رسولنا صلى الله عليه وسلم يقبله حتى لامه سادة ثقيف يومئذ).
ثم نزل صلى الله عليه وسلم وحيداً ليس معه إلا غلامه زيد بن حارثة فإذا انقطعت أسباب الأرض لجأ صلى الله عليه وسلم إلى ربه، فورد عنه أنه صلى الله عليه وسلم بث إلى الله شكواه، ورفع إلى الله نجواه، وهو يعلم أنه نبي مرسل، لكن البلاء فيمن يستمع إليه، فناجى ربه قائلاً: (اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين وأنت أرحمن الراحمين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك علي سخط فلا أبالي، ولكن عافيتك أوسع لي، أعوذ بوجهك الذي أشرقت منه الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن يحل بي غضبك، أو أن ينزل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك)، فتحت لهذه الدعوات أبواب السماء فما كاد صلى الله عليه وسلم ينزل من الطائف من وادي نخلة حتى بعث الله إليه نفراً من الجن يؤمنون به حتى تطمئن نفسه ويسكن قلبه ويعلم أن العاقبة له: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} [الأحقاف:29]، فاطمأنت نفسه شيئاً فشيئاً صلوات الله وسلامه عليه، ثم بعث إلى الملأ من قريش يخبرهم برغبته في دخول مكة، ويريد أن يدخل في حلف أحدهم فرده ثلاثة منهم، ثم قبل المطعم بن عدي أن يدخل في جواره فدخل صلى الله عليه وسلم رغم أنه مشرك استبقاء للمسلمين حتى لا يتعرضوا للأذى ثم بعد رحلة الطائف من الله عليه برحلة الإسراء والمعراج، فجاءه جبرائيل وهو نائم في الحجر فشق صدره وغسل قلبه بماء في طست من ذهب، ثم أفرغ في قلبه الطاهر إناء ملئ إيماناً وحكمة، ثم قدم له البراق، ثم أسري به صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس حيث المسجد الأقصى، وربط دابته في مربط هناك، ثم عرج به إلى سدرة المنتهى، فلما صد أهل الأرض أبوابهم أمامه فتح الله له أبواب السماء فاستقبله هناك سادات الأنبياء بدءاً بآدم ثم يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم، ثم بيوسف بن يعقوب عليه السلام، ثم إدريس، ثم هارون، ثم موسى، ثم أبوه إبراهيم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ثم وصل صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى، ورأى جبرائيل كرة أخرى على هيئته التي خلقها الله تعالى عليها.
أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه والرسل في المسجد الأقصى على قدم لما رأوك بها التفوا بسيدهم كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم صلى وراءك منهم كل ذي خطر ومن يفز بحبيب الله يأتمم ركوبة لك من عز ومن شرف لا في الجياد ولا في الأينق الرسم مشيئة الخالق الباري وصنعته وقدرة الله فوق الشك والتهم