نزل صلى الله عليه وسلم خائفاً وجلاً إلى زوجته خديجة، وكان قد ترك النبي صلى الله عليه وسلم عندها أبناءه وبناته فلم تحدثه بما صنع الأولاد، ولا ماذا أصاب البنات، لم تحدثه عن الجوع الذي قاسته، وإنما همومها في جانب همه صلى الله عليه وسلم، آوته إلى صدرها، وضمته إليها، ثم قال لها: (لقد خشيت على نفسي)، فطمأنته رضي الله عنها وأرضاها وجعل الجنة دارها ومثواها، قالت: والله لن يخزيك الله أبداً، ثم عددت مناقبه: إنك لتطعم الفقير، وتعين على نوائب الدهر، وتقول الصدق، وأخذت تسرد له مناقبه وفواضله صلى الله عليه وسلم، فقدمت بذلك أنموذجاً لما ينبغي أن تكون عليه المرأة مع زوجها.
إن كثيراً من الناس قد يأتي إليك محمولاً بالهموم مثقلاً بالخطايا فليس من الصواب أن تسرد عليه همومك أنت وترده خائباً، لكن ينبغي أن تنسى همومك في جانب همه إذا أردت له النفع والفائدة، ثم أخذته بيده إلى ورقة بن نوفل ابن عمها وكان رجلاً له حظ من علم وأثرة من كتاب، فقال له: ذلك الناموس الذي كان يأتي موسى، فاشتاق صلى الله عليه وسلم إلى الوحي؛ لأنه سمع القرآن لكن الوحي انقطع ولم يأت حتى يذهب الرعب، ويبقى الشوق إلى كلام الله جل وعلا، كيفية من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم تلك اللحظات، قال أكثر أهل العلم: إنها بقيت ستة أشهر وهي مرحلة فتور الوحي، أصاب النبي صلى الله عليه وسلم فيها من الحزن ما الله به عليم، حتى نقل الحافظ في الفتح عن الزهري: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ربما يصعد إلى شواهق الجبال يريد أن يتردى منها مما أصابه من حزن ومن شك في النفس عن الحادثة الأولى، لكن بعض المحدثين من العلماء يقولون: إن هذه الرواية على هيئة بلاغ وهي لا تصح وتنافي عصمة الأنبياء والله تعالى أعلم.