الحمد لله الذي تقدست عن الأشباه ذاته, ودلّت على وجوده آياته ومخلوقاته, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وسع كل شيء رحمة وعلماً, وقهر كل مخلوق عزة وحكماً, وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أفضل العباد إيماناً، وأعظمهم بِراً وإحساناً, بشر الله جل وعلا به في الإنجيل، ونوه به في دعوة أبيه إبراهيم, وأيده في حياته وحياً وقرآناً, وصلى الله وسلم وبارك وأنعم عليه، وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اتبع أثره واقتفى منهجه إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذه (آيات وعظات)، وهي عنوان واحد لمواضيع متنوعات متعددات, نرتوي بها من معين القرآن ونقف على أسراره، وننهل من فيض هذا الكتاب العظيم وأنهاره، آيات وعظات نذكّر بها قلوباً تحنّ إلى مولاها، وترقبه عز وجل في سرها ونجواها.
آيات وعظات نطمع بإذن الله أن نهذب بها أنفساً تطمح للمعالي، وتنظر بعين البصيرة النافذة في قرون مضت وأيام خوالي.
آيات وعظات نقدمها في المقام الأول لطلاب العلم وأهله, وللسائرين والسائرات على طريق الله المستقيم, وللمعلمين والمعلمات والمربين والمربيات، الذين جندهم الله جل وعلا ليكونوا دعاة إلى صراط الله المستقيم.
وإني لأرجو الله جل وعلا أن يرزقنا فيها التوفيق والسداد, كما أسأله جل وعلا أن يجعلها عملاً يراد به وجهه, ويتقى به سخطه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم, كما أرجوه جل وعلا أن يجعلها نافعة نافذة قريبة من قول لبيد: رزقت مرابيع النجوم وصابها ودق الرواعِد جودها فرهامها من كل سارية وغاد مدجن وعشية متتابع إرزامها فعلا فروع الأيهقان وأطفلت بالجلهتين ظباؤها ونعامها والعين عاكفة على أطلائها عوذاً تأجل بالفضاء بهامها فاقنع بما قسم المليك فإنما قسم الخلائق بيننا علامها وإننا بعون الله تعالى سنفصح في أول الأمر عن تلك العناوين, ثم نسأله جل وعلا التوفيق في عرضها، فعناوين العظات، وهن ست: خطيب الأنبياء.
قهر الرجال.
الصديقة مريم.
أعظم الغبن.
ماء المحيا.
العرش والقلوب.
وهي في المقام الأول كما بينت سلفاً للقائمين بالدعوة إلى الله، إذ يرجى من هذه المحاضرة لقائلها قبل سامعها أن تكون عوناً في بناء النفس إيمانياً وعلمياً ومعرفياً, وما ذاك ليتم إلا بتوفيق الله العزيز العليم: