إن للعلماء في تتبع السيرة العطرة طرائق عدة، منها طرائق الفقهاء في استنباط الأحكام، ومنها ما نشرع فيه من التتبع العام لهدية صلوات الله وسلامه عليه، فنستضيء بقدر ما أمكن ببعض سيرته، فيكون العنوان مدخلاً لما يريد أن يبث في الناس من الهدي النبوي والسيرة العطرة والأيام النضرة لرسولنا صلوات الله وسلامه عليه، وهذه الإضاءات هي على الترتيب: صلاة الفجر، الريحنتان، الحياة البرزخية.
إن هدي الأنبياء الأعظم في القيام بالعبادات، والصلوات ذروة العبادات، وصلاة الفجر ذروة الصلوات وتاجها، أفردها الله جل وعلا في القرآن ذكراً فقال جل جلاله: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78].
فجعل الله جل وعلا الفرائض الأربع يتبع بعضها بعضاً، وأفرد صلاة الفجر لوحدها زماناً وأثراً، فصلاة الفجر أحد أعظم الأسباب في رؤية وجه الله تبارك وتعالى، وليس للمؤمنين غاية أعظم من أن يروا وجه ربهم تبارك وتعالى، أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى القمر ليلة البدر فقال عليه الصلاة والسلام بعد ذلك لأصحابه: إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا.
ثم تلا صلوات الله وسلامه عليه: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه:130])، قال العلماء من المفسرين وغيرهم: (قبل طلوع الشمس) أي: صلاة الفجر، و (قبل غروبها) أي: صلاة العصر.
وصلاة الفجر المحافظة عليها جماعة في مساجد المسلمين للرجال بعض دلالة على البراءة من النفاق، قال عليه الصلاة والسلام: (ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا)، فصلاة الفجر مع أخواتها مما يؤدى في الظلمة تكسب المؤمن نوراً تاماً في عرصات يوم القيامة، يوم يكون المؤمن أحوج ما يكون إلى النور، قال عليه الصلاة والسلام: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة).