أما التأمل في الآية تعمقاً فإننا نقول: إن الله يبين من هذه الآية أن الحياة زهرة حائلة ونعمة زائلة لا بد أن تنقضي، وما ادخره الإنسان في حياته الدنيا يتلاشى ويذهب إلا ما أريد به وجه الله جل وعلا فإنه يبقى له مدخراً يوم القيامة، والواقع أعظم الشهود فعندما يموت الرجل أو المرأة فأول ما ينسى منه اسمه، فإن الناس إذا مات الميت وجاءوا ليسألوا عنه قبل أن يغسل يقولون: أين الجثة؟ لا يقولون: أين فلان! ثم ينتقل الإنسان إلى مرحلة ثانية، فإذا غسل تركوا جسده كما تركوا اسمه.
فالذي يريد أن يسأل عنك لن يقول: أين الجثة؟ ولا يقول: أين الاسم ولا أين فلان وإنما يقول: أين الجنازة؟ فينسبونك إلى الخشبة التي تحملك يقول: تبعت الجنازة، صلوا على الجنازة، أين الجنازة؟ قدموا الجنازة، أخروا الجنازة، هاتوا الجنازة.
وبعد أن يترك بعد اسمك وجسدك تترك بالكلية، فإنه يوضع الميت في قبره فلا يقال له بعد وضعه في القبر جثة، وإنما يقولون: ميت، مصداقاً لقول الله: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30]، فيذكر ويترحم عليه إن كان من المؤمنين.
والغاية من هذا كله أن يسعى الإنسان في شيء باق، وهذا أعظم ما يعينك على أن تأتي الباقيات الصالحات، وهو علمك بمصيرك وأنك كما قال الرب جل وعلا في كتابه: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6]، فلا بد من ملاقاة الله، جعلنا الله وإياكم ممن طال عمره وحسن عمله.