الحقيقة الرابعة: أن الله جل وعلا يكره الفواحش، ولما نسبها القرشيون إلى الرب نزه الله تبارك وتعالى ذاته العلية عنها، قال الله جل وعلا عنهم: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف:28] فقال الله جل وعلا في جوابه عليهم: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:28].
فالفواحش من زناً ولواط وما شاكلهما من المعاصي كل ذلك مما حرمه الله وحرمه رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يجتمع مع الصلاح أبداً، قال عليه الصلاة والسلام: (ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) فنفى النبي صلى الله عليه وسلم كمال الإيمان عن الزناة، ولا يمكن أن يوصف عبد اقترف الزنا أو اقترف الفاحشة الأخرى بأنه عبد صالح.
ونبيكم صلى الله عليه وسلم لما كسفت الشمس في أيامه خرج يجر رداءه حتى إنه صلى الله عليه وسلم من هول الآية أخطأ في الإزار والرداء فلبس أحدهما مكان الآخر ثم تنبه ولبس، ثم خرج إلى الناس وقد نودي الصلاة جامعة وهو أعرف الناس بآيات ربه، ثم لما صلى بالناس خطبهم بعد ذلك خطبة عظيمة، وكان مما قال فيها عليه الصلاة والسلام: (وإنه لا أحد أغير من الله أن يزني عبده أو أن تزني أمته).
وفي هذا العصر أخذت هذه الفواحش طرائق متعددة كالاتصالات الهاتفية والخلوات المحرمة واللقاءات المذمومة وما أشبه ذلك مما يحصل في الطرق أو الأسواق أو غيرها.
ومن الناس من يخرج بجسده وماله، يذكر النبي صلى الله عليه وسلم مجاهدين يخرجون لا يرجعون بشيء، ويذكر منفقين ينفقون الليل والنهار حتى لا تعلم شمالهم ما تنفق يمينهم، ويذكر النبي صلى الله عليه وسلم أفئدة معلقة بالمساجد، ينتظرون متى يفتح المسجد ليدخلوه ولا يخرجون إلا بإلحاح من يقوم عليه، ومع ذلك يأتي قوم يخرجون بأجسادهم وأموالهم إلى حانات الشرق وبارات الغرب من أجل الزنا والشواطئ التي عليها من العراة ما عليها، أو من القنوات المحرمة والأفلام الإباحية يمتع أحدهم بها نفسه ليلاً ونهاراً يظن أنه ينجو من عذاب لله، لا يمكن أن يوصف هذا بأنه عبد صالح ولو صلى وصام وزكى وحج؛ لأن الله تعالى يقول: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف:33].
والعلماء يقولون: إن الكبائر في المراتب ثلاث: الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله بغير حق، والزنا.
قال الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان:68] فذكرها الله جل وعلا من باب الترتيب في أظهر أقوال العلماء.
أعاذنا الله وإياكم من الفواحش كلها.