يحرص طالب العلم على أن ينتفع بكلامه ووعظه

مما يتعلق بالجانب العملي: أن يحرص الإنسان أن يكون في كلامه ووعظه ودرسه ما ينفعه هو قبل أن ينفع الناس، ويكتشف الإنسان أنه سائر على الطريق الحق إذا وجد أنه يزداد كل يوم علماً، أو وجد أن يومه خير من أمسه، وأن غده خير من يومه، ولهذا فإنه يحسن أن تتخذ طريقاً في العلم من طريقة تعليم الناس، تراقب نفسك أن تعلمها فيكون درسك الذي تلقيه درساً علمياً، وإن خالطه وعظ وإنشاء، فأنت أول المستفيدين مما تحرره، ولي تجربة شخصية، فقد بدأت في مسجدي مسجد السلام عام 1408هـ تقريباً، وكنت أدرس الناس كل خميس، وأجتهد قدر الإمكان اجتهاداً عظيماً في أن يكون الدرس علمياً يشعر من يسمعه أنه يسمع شيئاً جديداً، واكتفيت بأن يكون مرة في الأسبوع، والشهر أربعة أسابيع، وفي السنة ثمانية وأربعون درساً، فلنقل: ثمانية عشر أسبوعاً حال بيني وبين الدرس أعذار، فيبقى ثلاثون أسبوعاً في العام، لو مضيت على هذا الحال خمس سنين في أربعين درساً ثق أنك إذا أعددت مائتي درس تحضيراً جيداً وأخلصت النية ورزقت الفهم ستصبح شخصية أخرى.

وأحرص قدر الإمكان أن يكون الدرس ذا زاد علمي، يتعلق بالقرآن في المقام الأول، ثم بالسنة دون أن أخوض في الإنشاءات والخطابات العامة التي قد يؤدي بعض الفضلاء الدور فيها، والعاقل لا يكرر ما ألقاه غيره، وهذا من أعظم الوصايا.

يقول أحد أصحاب الهمم العالية: لا يراني الله أرعى روضة سهلة الأكناف من شاء رعاها ولهذا فـ السهيلي رحمة الله تعالى عليه لما شرح السيرة سمى كتابه: (الروض الأُنُف) روض ما كل أحد يرعاه، فالعاقل يعلم أنه لا يوجد وحي، فقد انقطع بموت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، هي نفسك فارعها، فيطلب العلم بجدية، ولا يقبل أن يجذبه كل فرد ممن حوله كل يوم في قضية، وكل ليلة في منحى، ويغير الكتاب في الأسبوع أكثر من سبع مرات، ولكنه يتخذ سبيلاً بيناً، ويكون الحديث إلى الناس، وتعليمهم الشرع، رغبة فيما عند الله من الأجر.

واقطع العلائق بينك وبينهم، إلا أنك تحتويهم بخلقك، هذا الذي يجعل لك بعد رحمة الله الصدارة مع الأيام، إن الأمور على قسمين: أمر يتعلق بك، وأمر يتعلق بالله، فما يتعلق بالله لا تحمل همه، فالله أرحم بك من نفسك، ولكن احمل هم الشيء الذي أوكله الله إليك، وهو جمع العلم، والتقرب إلى الله بالعمل الذي تعمله، أما متى تفتح لك أبواب الناس؟ متى تفتح لك قلوبهم؟ متى تهيأ لك المساجد؟ متى تعطى المنبر الذي تريد؟ متى يستمع الناس إليك؟ هذا يا أخي لا تحمل همه طرفة عين، احمل هم نفس ستقف بين يدي الله، فبادر وخذ بالجد فيه فإن أتاكه انتفعت.

فإن أوتيت فيه طويل باع وقال الناس إنك قد رؤستا فلا تأمن سؤال الله عنه بتوبيخ علمت فهل عملتا يحرص الإنسان على أن لا يفضح يوم العرض على الله، وليكن ظنه بالله حسناً، فعبد السوء من يظن بالناس أحسن من ظنه بالله، لكن من عرف الله لا يمكن أن يحسن بأحد ظناً كما يحسنه برب العالمين جل جلاله.

فنقول: اسع في الأمر الذي يعنيك، فإذا قال لك أحد من المثبطين حولك: لم يحضر أحد، أو لا يدري عنك أحد، أولم ينتفع بك أحد، أولم يسمع لك أحد، فلا تلتفت إليه، لكن من حقك أن تراجع نفسك: هل تقول كلمات تهيج بها أقواماً وتثير بها شباباً، وتلفت إليك بها الأنظار، أو تقول علماً مبني على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

فإن كانت الأولى عياذاً بالله فستقف أو تتأخر ولن تصل إلى مرادك، ولو وصلت لن تؤجر؛ لأن همك قد كان لفت الأنظار إليك، وقد حصل، قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ} [هود:15 - 16] نسأل الله العافية.

أما إذا كنت تريد بذلك وجه الله فلا تلتفت إلى المثبطين، لكن راجع نفسك.

ما عاتب الحر الكريم كنفسه والمرء يصلحه الجليس الصالح وراجع موادك العلمية، ولا تكرر على الناس حديثاً حتى يملوه، وابحث في طيات المراجع، وهذا مبني على التأسيس الأول في الزاد المعرفي؛ حتى تقدم للناس شيئاً جديداً ينفعهم في أمر دينهم ودنياهم، وثق بعد ذلك أن الله جل وعلا سيقبلك عنده إذا أخلصت نيتك.

أما مسألة معرفة الناس لك، أو عدم معرفتهم، فهذه لا تحمل همها إن وقعت، فاسأل الله أن يعينك على شكرها، وإن لم تقع فاسأل الله جنته، فهي أعظم غاية، وأجل مطلوب، وهي التي شمر إليها الصالحون، وسعى في طلبها عباد الله وأولياؤه المتقون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015