ومما يجب على طالب العلم في الجانب العملي أن يتحمل تقصير من له حق عليهم في حقه، والمعنى: إذا كان أهلك وقرابتك، وأهل حيك، وزملاؤك، وجيرانك، لم يعرفوا لك قدراً، وهذا من سنن الله، في الناس، فإذا قبلت ذلك التقصير ولم تشكوه، وأعطيت الذي عليك من الحق، ولم تبادلهم بالقطيعة، ولم تبحث عندهم عن منزلة ذات شرف، ثق أن الله سيعوضك خيراً من ذلك الذي فقدت، فمن صبر على هجران قلوب أصلها أن تحبه فتح الله له قلوباً ليس عليها واجب شرعي أن تحبه.
وهذا بالاستقراء ظاهر للناس، فكم من علماء كتب الله جل وعلا لهم القبول في الأرض، لو تأملت كثيراً من حياتهم لوجدت تقصيراً كثيراً ممن حولهم بهم، لكنهم صبروا على ذلك، ففتح الله جل وعلا لهم قلوباً لا تخطر لهم على بال، ولم يرجفوا عليها بخيلٍ ولا ركاب، ومن أعظم الأمثلة الدالة على هذا نبينا صلى الله عليه وسلم فإنه قصر قومه في حقه، قال الله جل وعلا: {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ} [الأنعام:66] فلما كذب به قومه وصبر صلوات الله وسلامه عليه فتح الله له قلوب أهل المدينة فآواه الله إلى الأنصار إلى الأوس والخزرج، ونجم عن ذلك الخير العظيم، وانتشار الإسلام انتشاراً عم كثيراً من الأقطار في حياته، وبعد حياته صلوات الله وسلامه عليه.
فقد يكون بعض من حولك يقصر في حقك، أو يحسدك على مكانتك، فصبرك عليه مما يورثك الله جل وعلا به الأرض، وأماكن لم تكن تخطر لك على بال.
والله لن تغلب من عصى الله فيك بأعظم من أن تطيع الله فيه، لكن الأمر كما قال الله: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:35].