أقول: إن الموقف يجب أن يكون معتدلاً، فإن الإفراط يؤدي إلى التفريط، والغلو يؤدي إلى الجفاء، والتطرف يؤدي إلى تطرف في الجانب الآخر، فالذي يغلو في الاستماع إلى العالم وقبول كل شيء منه وجعله ميزاناً للحق والصواب والهدى، حينما يكتشف أن العالم قد أخطأ؛ ينفض يده منه بالكلية ويتبرأ منه وربما سبه أو اغتابه أو استحل عرضه، بل وجد من يصل به الحكم والعياذ بالله إلى الحكم بالردة والكفر.
فهذا التفريط نتيجة الإفراط الأول، والواقع الذي ندعو إليه أولاً: أن نكون معتدلين في نظرتنا إلى العلماء والدعاة أياً كان هؤلاء العلماء سواء أكانوا علماء رسميين أم علماء عامة أم غيرهم، وأن نعرف للعالم حقه وقدره، فنحترمه ونجله وندعو له ونحسن الظن به بقدر المستطاع.
ولا نسمح بالوقوع في عرضه أو النيل منه، فإن هذا هو حق المسلم العادي على المسلم، فإذا كان المسلم عالماً أو طالب علم أو فقيهاً أو مفتياً، كان هذا الحق له أكبر وأعظم وأوفى.
ولكن ينبغي ألا يكون معنى ذلك تقليد العالم في كل شيء، ومتابعته في كل شيء، وأن يغلق الواحد منا عينه عن القراءة، وأذنه عن السماع، وعقله عن التفكير، ويده عن الكتابة، ورجله عن المشي لماذا؟ لأنه قد أسلم هذه الأشياء كلها لفلان وفلان، لا.
لا ينبغي إن أخطأ أخطأت، وإن أصاب أصبت.
ينبغي أن تكون متبعاً بوعي، وعلم، وبصيرة، ويقظة، وإدراك، فحتى هذا العالم مع احترامك له، وتقديرك لعلمه، ومعرفتك بفضله، فأنت مع ذلك تدري أن طبيعة البشرية جبلة مركوزة فيه، ورثها عن أبينا الأول آدم عليه الصلاة والسلام.
وأن الإنسان لا ينفك عن الخطأ بحال، ولهذا فأنا حين يخطأ هذا العالم أقول: غفر الله له، وهذا الأمر ليس صواباً وقد أرد عليه بالكلمة الطيبة، والحكمة والأسلوب الحسن، ولا أعدّ أن النقد أو الرد إسقاط لقدر هذا العالم أو نيلٌ منه أو تحطيم له كما يتوهم بعضهم، لا؛ لأنني من الأصل كنت منطوياً عاقداً ضميري وسريرتي على أنني أحترمه لكني لا ألغي ما أعطاني الله تعالى اتباعاً له.
هذا هو الواجب أولاً، فإذا حصل الخطأ كان الموقف منه معتدلاً، بحيث يقدر الخطأ بقدره، ولا يكون الخطأ سببا في إهدار العالم أو الحط من كرامته، أو اتهامه بأمور هو منها براء، بل يلتمس له عذراً، ومع ذلك الخطأ يظل خطأ ولو كان صاحبه معذوراً.
أما بعضهم فإنك تجدهم بين إفراط أو تفريط، فبعضهم قد عطلوا واعتقلوا تفكيرهم، وعصبوا عيونهم، فلا يسمع الواحد منهم ولا يقول إلا ما قاله فلان، وهذا -في الواقع- غير لائق بالإنسان الذي كرَّمه الله تعالى، ومنحه عقلاً وفهماً وشيئاً من اليقظة والبصيرة والعلم، هذا أولاً.
ثانياً: حين تترك قول عالم، أو اجتهاد عالم، أو بيان عالم لا تتركه إلى رأيك الشخصي، بل تتركه إلى قول عالم آخر واجتهاد عالم آخر، وبيان عالم آخر، قد يكون مثله أو أفضل منه أو دونه، ولكن أصاب الحق هذه المرة، والله تعالى لم يضمن لأحد من البشر أن يكون الحق محصوراً في قوله إلا الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فينبغي للإنسان أن يعتدل في نظرته إلى العالم أولا، فإذا أخطأ العالم جعل خطأه بقدره، ولا يجعله مجالاً لإهدار فضل العالم وسابقته.