تعليقات

أود أن أعلق على ذلك بعده أمور: أولاً: من البديهيات التي لا تحتاج إلى تأكيد أن كل المصائب العامة التي تجتاح المسلمين هي بسبب ذنوبهم {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى:30] {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165] {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41] في آيات أخرى كثيرة.

إذاً من البدهيات التي يجب أن نذكر بها عند كل مصيبة أو نازلة تقع بالمسلمين، سواء أكانت فيضانات، أم قحطاً، أم جفافاً، أم فقراً، أم جوعاً، أم زلازل، أم هزائم عسكرية، أم انهيارات مالية واقتصادية، أم غير ذلك، إن ذلك كله بسبب ذنوب العباد.

أما المصائب الفرضية التي تصيب الشخص بذاته من مرض أو فقر أو نكبة أو موت قريب أو ما أشبه ذلك فهذه قد تكون بسبب الذنوب، وقد تكون لغير ذلك من الأسباب كرفعة الدرجات وزيادة الحسنات وغير ذلك.

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم {أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على قدر إيمانه} .

إذاً هناك فرق بين المصائب الفرضية الخاصة، وبين المصائب العامة التي تجتاح الأمة بأكملها أو تجتاح قطراً من أقطار المسلمين، فينبغي أن نؤكد على هذا المعنى.

ولكنني أقول وأنا أؤكد على هذا المعنى: لا ينبغي أن يكون التوكيد من منطلق التشفي، فبعضهم يقول هذه الحقيقة، بلهجة المتشفي، وكأنه يرى أنه هو بمنجاة من السنة الإلهية والسنة الكونية، وكأنه هو ذلك العبد التقي النقي المطيع الذي لم يرتكب إثماً ولا معصية قط.

وأقول أيها الأحبة كل بلاد المسلمين تشترك في قاسمٍ عظيمٍ من الذنوب والمعاصي الكبار، فبيوت الربا في كل البلاد، وألوان الفساد الإعلامي تجتاح بلاد المسلمين كلها، ومد الأيدي إلى الكفار بالموالاة والحب والنصرة والعقود والعهود والمواثيق في جميع بلاد الإسلام، والتضييق على الدعوة والدعاة والعلم وأهله في كل بلاد الإسلام، والتفسخ الأخلاقي والاجتماعي والتحلل موجود في كل البلاد.

إذاً ينبغي ونحن نتحدث عن مصيبة وقعت في مصر أو مصيبة وقعت في الصومال أو أخرى وقعت في العراق أو رابعة وخامسة أن نتحدث عنها أن كل ما أصابنا بسبب ذنوبنا ومعاصينا، لكن حديثنا هو حديث المشفق الذي يدعو هؤلاء المسلمين وأولئك إلى أن يسرعوا بالتوبة إلى الله عز وجل وأن يقلعوا عما هم فيه، وأن يحدثوا لله تعالى إنابة يرحمهم بها ويرفع عنهم ما أصابهم، فالله تعالى على كل شيء قدير {فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس:98] {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11] {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال:53] التعليق الثاني: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49] فينبغي مع ذلك أن يعلم أن كل ما أصابه أو نزل به من ضر فردي أو جماعي في نفسه أو ماله أو أهله أو ولده أنه بقضاء الله تعالى وقدره، وأن عليه الصبر والاحتساب، فإن المصيبة تتحول بالصبر إلى نعمة ومنحة ومنة كما عرفنا قبل قليل.

فينبغي للعبد أن لا يضيع أجره بتسخط ذلك، بل أن يرضى ويصبر ويسلم ويقول: إنا لله وإنّا إليه راجعون، وفي الصحيح "أن الله تعالى إذا قبض ولد العبد قال لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟! قالوا: نعم، قال: قبضتم ثمرة فؤاده؟! قالوا: نعم.

قال سبحانه فماذا قال؟ قالوا: يا رب حمدك واسترجع، قال: ابنوا له بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد" {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] فإن هذا كله في قضاء الله تعالى وقدره.

النقطة الثالثة: أن نعلم أن لا شفاء ولا دواء للمصائب العامة التي تجتاح الأمة الإسلامية إلا بأن تعود إلى شريعة الله تعالى حُكاماً ومحكومين، وعلى كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والتربوية وغيرها () وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} [المائدة:65] وفي الآية التي بعدها {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} [المائدة:66] .

التعليق الثالث: أن هذه السنة ماضية، وينبغي ألا نغتر بالتقارير العلمية، فإن التقارير العلمية قد تكون أحياناً صواباً يفهم على غير وجهه، وأحياناً تكون خطأً وتلبيساً، مثلاً: يقع الكسوف والخسوف، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: {إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله تعالى بهما عباده} فتقول التقارير العلمية: إن الكسوف والخسوف سببه تقدم الشمس أو تقدم القمر أو ارتفاع الأرض أو انخفاضها أو إلى غير ذلك.

فيظن الناس أن هذه الأشياء تحدث وفق نواميس وتقارير وسنن لا تتقدم ولا تتأخر، فيزول من عندهم الهيبة والرهبة والخوف والوجل، وينسون أنه حتى الأشياء التي تقع وفق نواميس وتقارير فإنما تقع بإرادة الله تعالى الذي يجري الناموس متى شاء.

فمثلاً: هذا الزلزال! هل علم به الخبراء -خبراء الأرصاد- في مصر أو غيرها؟ لم يعلموا به ولا تنبأوا بحصوله؛ بل حصل على حين غفلة وغرة منهم جميعاً، فلما حصل الزلزال يوم الاثنين فيما أعتقد، ثم بعد ذلك قالوا: لن يتكرر، فحصلت هزات أرضية يوم الثلاثاء والأربعاء، قالوا: هو ضعيف إلى الانتهاء، فحصلت هزة يوم الجمعة وكلها قيست بمقياس الشهير مقياس رختر، بعضها بلغ ما يزيد على خمس درجات، وقالوا: إن هذه الهزات وهذا الزلزال لن يحصل مرة أخرى.

إذا كنتم تعرفون أنه يحصل أو لا يحصل، فلماذا لم تخبرونا قبل أن يحصل أول مرة؟! ولذلك ينبغي ألا نغتر بما يقولون فهم -مثلاً- يقولون: الجزيرة العربية بمنجاة من الزلازل، على الأقل في الفترة الحاضرة وإلى المدة المرئيَّة.

من أخبركم بهذا؟! {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) [الكهف:51] .

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم {سوف يكون خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب} وذكر عليه الصلاة والسلام {الجيش الذي يكون بالبيداء فيخسف بأولهم وآخرهم} كما صح بذلك الحديث، وهو في صحيح مسلم.

إذاً فنقول: إن كل بلاد الدنيا وكل المخلوقات هي في قبضة الواحد الأحد، وفي ملكه وتدبيره وسلطانه، والله تعالى يعاقب من يشاء، وعلينا أن نعلم أن السنة ماضية على الجميع، وأنه ليس أحد بمنجاة، لا باسمه ولا بقبيلته ولا بدعاياته ولا بشعاراته، وإنما الأمر الذي يصح عند الله تعالى هي الحقائق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: {إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم} .

فعلينا أن ندرك أن الأمر يتطلب منا جميعاً صدقاً في التوبة إلى الله عز وجل، وألا يكون بعضنا كأمثال الذين ذكر الله عنهم أنهم كما قال سبحانه: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [يونس:22] فهذا الدعاء في حال الأزمة، فإذا نجاهم إلى البر أشركوا بالله عز وجل (إذا هم يشركون) فلا ينبغي أن يكون العبد كذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015