خاصة بعض الشوارع التي اكتسبت أهمية خاصة -كما أشرت إليها- لدى هذه الفئة من المجتمع، مثل الشارع الأصفر، والشارع الأخضر، والأبيض، ونسبة الذين يقضون أوقاتهم في الدوران في هذه الشوارع من بين الذين أجري الاستفتاء عليهم تصل إلى (70%) ، ومن الطريف أن مراسلاً مجهولاً يكتب إليّ ببعض الأوراق ويوافيني بها، يقول: إنهم يسمون الشارع الأخضر والعياذ بالله بالمسعى لكثرة دورانهم فيه ذهاباً وإياباً، ويشربون من ماءٍ هناك، ماءً بارداً يسمونه بزمزم.
عجباً من تلاعب الشيطان بابن آدم في السخرية بالأسماء الشرعية، من حيث لا يشعر، إذ أن الشاب يعلم قطعاً أن بين عمله وهو يدور في هذه الشوارع، وقد يكون معه صديق اجتمع معه على ما حرم الله عز وجل، وقد يكون في وقت صلاة، وقد يؤذي من هم حوله، يدرك الشاب أن بين عمله، وعمل الساعي بين الصفا والمروة ابتغاء مرضاة الله عز وجل كما بين السماء والأرض، وكذلك يدرك أن بين شربته من ذلك الماء، وهو إنما عطش من غير سبيل الله، وبين شربة الحاج، أو المعتمر من ماء زمزم ابتغاء مرضاة الله، وتحقيقاً، أو طلباً لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم حين قال عن زمزم: {إنها طعام طعم، وشفاء سُقمٍ} وقال: {ماء زمزم لما شُرب له} يدرك أن ما بينهما كما بين الثرى والثريا قال تعالى: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف:187] .
وهذا الدوران، قد يكون أحياناً في وسط الأحياء السكنية، وهو يحقق وراء هذا الدوران أغراضاً شتى، إما أنه يدور بسبب ضيق الصدر، فيدور حتى يزيل الهم عن نفسه كما يقول، ولا يدري المسكين أنه يدور والهم معه يدور أيضاً، وإما للمباهاة بجمال السيارة التي يستقلها، أو لونها، أو موديلها، أو التحسينات المستمرة التي يجريها على هذه السيارة، وإما -ولعله قليل- للمباهاة بجمال من يكون بالباب الأيمن للسيارة، وهو الذي يسميه خِلاً، أو خليلاً، وغالباً ما يكون صغير السن، وإما لاصطياد بعض المغفلين والتغرير بهم وجرهم إلى بعض الأغراض السيئة والدنيئة.