فأول هذه الأسباب: أن يكون وجود الدولة وجوداً غير طبيعي في الزمان أو في المكان:- خذ على سبيل المثال: وجود دول نصرانية أو يهودية في وسط إسلامي، أو وجود دول شيعية فاطمية في وسط سُنِّي، فإن هذا من الأسباب المؤذنة بالزوال.
ولذلك لما حكم العبيديون في مصر وغيرها، تسلطوا وطغوا وبغوا، وفرضوا سلطانهم وقتاً من الزمان، ومنعوا قراءة صحيح البخاري، ومنعوا تداوله، وحاربوا السنة وأهلها.
ولكن مع ذلك فإن المصريين وغيرهم ممن حكموهم لم يقبلوا دينهم، ولم يرضوا بهم، بل كانوا يتربصون بهم الدوائر، فإذا حصل تهديد للعبيديين الفاطميين، فرحت بذلك الشعوب التي يحكمونها، وقالوا: يذهبون غير مأسوف عليهم.
وهكذا بالنسبة للدول النصرانية التي قامت إبَّان الحروب الصليبية في الشام وغيرها، فإنها سرعان مازالت وبادت، وقُلْ مِثْلَ ذلك في دولة إسرائيل التي تعيش الآن بين المسلمين، فعلى الرغم من أنها أقوى دول المنطقة بلا منازع، وتملك من قوة الحديد والسلاح والمال والاقتصاد والنجاح في برنامجها السياسي ما لا تملكه جميع الشعوب العربية بلا شك، وكذلك تملك من الدعاية الغربية الشيء الكثير، حتى إن الغرب يعتبر أن إسرائيل هي الدولة الناجحة في الشرق الأوسط، وأنها دولة حضارية متقدمة في وسط عالم عربي همجي متأخر.
فهذا تصوُّر الغربيين عن إسرائيل، ومع ذلك فقد ظهرت -الآن- أصوات كثيرة حتى في أوروبا نفسها، تقول: إن إسرائيل بذرة غربية في جو غريب، وأنه لا بقاء لها، ولذلك أُذِيع في التلفزة الغربية فيلم يسمونه بالانتفاضة الفلسطينية، يتكلم عن بداية الهزيمة لإسرائيل، والنصر الساحق للشباب والأطفال والنساء الذين يحملون الحجارة، ويقاتلون الغزاة اليهود المحتلين، وقد كان لهذا الفيلم الذي عُرض أَثَرٌ كبير في نظرة الغربيين؛ حتى أن اليهود قاموا بحربه، وحاولوا محاربة القنوات التي قامت ببثه، حتى حاربوه فعلاً ومنعوا تداوله.
لكن مع ذلك بدأت الأصوات تقول -حتى من اليهود أنفسهم-: إن إسرائيل بذرة غربية في وسط لا يمكن أن يقبلها، فهي أشبه ما تكون بجسم غريب زرع في بدن لم يقبلْه، كما لو زرعت كِلْية في بدن ولم يقبلها، ولم يسرِ فيها الدم بصورة طبيعية، ولم يتقبلها الجسم، فإنها آيلة إلى الموت، ولا بد من تغييرها واستبدالها.
إذاً: فمن أهم أسباب الزوال: أن تكون الدولة نشأت في مكان أو زمان غير مناسبَين وغير طبيعيَين؛ فهي لا تصلح فيه، ولابد أن تزول.