فساد الاقتصاد

السبب السادس: فساد الاقتصاد:- ومن الملاحظ فيما يتعلق بالمال -أيها الأحبة- أن كل الناس يسخطون له، فالأمور الدينية يسخط لها طبقة من الناس، إذا حكومة من الحكومات أساءت إلى الدين، وتعرضت للمتدينين، أو انتهكت حرمة، فإنما يسخط لذلك المتدينون، وهم طبقة من الناس، وفئة من المجتمع.

وفي مقابل ذلك إذا قامت دولة من الدول، أو حكومة من الحكومات بالقضاء على بعض مظاهر الفساد، من القضاء -مثلاً- على مواخير الدعارة والبغاء، أو منع شرب الخمور، أو ما أشبه ذلك، غضب لهذا الإجراء طبقة وهم المفسدون والمنحرفون والضالون.

لكن هناك شيء يغضب له الجميع: الطيِّب والخبيث، المؤمن والفاسق، الكبير والصغير، ألا وهو المال! فإن أي دولة إذا مست الناس في أموالهم، كسبت بذلك سخطهم وكراهيتهم، يستوي في ذلك الطيب وغيره، فالإنسان الصالح إذا أَخَذْتَ مَالَه أبغضك، والخبيث إذا أخذت ماله أبغضك، فإذا أرادت الدولة، أو إذا أراد المندسون في الدولة والذين يريدون بها شراً أن يوقعوا بينها وبين شعوبها، عملوا على الإكثار من فرض الضرائب والإتاوات والرسوم وغيرها، فالمشي في الطريق له رسوم، وكل شيء له رسوم، ووقوف السيارة عند الباب له رسوم، وفتح الباب على الشارع له رسوم إلخ.

بحيث أصبحت الضرائب تثقل كواهل الناس، وتجعلهم يئنون تحت وطأتها، ويتمنون زوالها وزوال من فرضها عليهم.

وأحياناً تتكلم الصحف وغيرها عن ثورة الخبز، ماذا يقصدون بثورة الخبز؟! يقصدون ثورات تقوم في الشوارع، وهيجان وغليان بسبب قلة المواد التموينية، يسمونها ثورة الخبز، كما سموها في الجزائر قبل سنتين أو قريباً من ذلك، وفي غيرها.

وفي الواقع أنه ليس الثورة ثورة خبز، لكن هذا هو الفتيل، أي أن الناس ساخطون كلهم بسبب قلة ما في أيديهم، وبسبب الضغط عليهم وسوء تصريف الأموال، فيأتي إنسان يستغل هذا السخط لمصلحته، فإن كان إنساناً متديناً استطاع أن يستفيد من سخط الناس في القضاء على المنكرات ومقاومة الفساد الموجود وإن كان خبيثاً شيوعياً أو غيره، استطاع أن يَنْدَسَّ مع الناس، ويستفيد من ثورتهم في تحقيق مطالبه ومآربه، فيرفعون لافتات تؤيد مذاهبهم التي ينتمون إليها، وإن كان جمهور الناس لا يؤمنون بهذه المبادئ ولا يتحمسون لها، ولا يغضبون لها.

ومن سوء التصرف في المال: العطايا التي ليس لها مبرر إلا المزاج الشخصي، ولذلك قالوا في الحكمة: من علامة إدبار الملك أن تكون عطاياه وعقوبته بسبب أغراض نفسه، أو أغراض أتباعه، ومن علامة إقبال الملك أن تكون عطاياه وعقوبته تحت الإيجاب بالعقل والشرع وطول الامتحان، أي: أنك إذا وجدت أن دولة تعطي الناس المال عطاء في محله يقبله العقل والشرع، فاعلم أن هذا من علامة قوتها ورسوخها، وإذا وجدت أن المال يضرب به يمنة ويسرة دون ضابط ولا مقياس إلا المزاج الشخصي؛ فاعلم أن ذلك من علامات الإدبار.

وانتشار الرشوة في أي بلد على مستوى الفرد وعلى مستوى المسئولين من أسباب زوالها واضمحلالها.

ومن ذلك احتكار الأشياء لأشخاص معينين، سواء في ذلك احتكار السلع، بحيث إنهم هم الذين يستوردونها ويوفرونها للناس، أو احتكار الشركات لأفراد معينين، أو احتكار الأعمال والوظائف فإن هذا من علامات الإدبار.

السبب السابع: إهمال تربية الشعب وعدم اصطناع الرجال:- فإن الحكم في الرجال، ولذلك يقال في الحكمة: ليس الحاكم من ملك العبيد، بل من ملك الأحرار، وتملك الأحرار ليس بأن تشترى ذممهم بالأموال، ولكن بالاصطناع، وحُسن المعاملة، والاحترام، والتقدير، ومشاورتهم في الأمور، وإشعارهم بأن الأمر أمرهم وأن لهم دوراً في الأحداث وأنه يؤخذ بقولهم فيما أصابوا فيه، فهذا اصطناع الأحرار، وبهذا نجحت الدول وتقدمت.

فالأمة بأفرادها، وعند الأزمات تظهر الحقائق، فتبين الشعوب الضعيفة الواهنة التي لم تتدرب إلا على الأكل والشرب والنوم والتلذذ، من الشعوب التي تربت على القوة والإقدام والاستعداد لكل طارئ، ولاشك أن الحاكم -أحياناً- يحلو له أن يحكم قطيعاً من الغنم.

قطيع يساق إلى حتفه ويمشي ويهتف للجازرين ولكن إذا نزلت الأزمات والملمات، أدرك حينئذٍ أهمية صناعة الرجال الأقوياء الأشداء، وكما قيل: ستعلم حين ينكشف الغبار جواداً تحت رجلك أم حمار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015