الترف والفساد الأخلاقي

السبب الثامن: هو الإسراف في الترف والفساد في الأخلاق:- وهذا لاشك يورث الغفلة عن صيانة الدولة وصيانة الملة، ويجعل الناس مشتغلين بشهواتهم ولذاتهم، وقد ذكرت لكم المعتمد بن عباد قبل قليل.

وأذكر لكم قصة طريفة تتعلق بالترف، وبلاد الأندلس أكثر البلاد التي شهدت الترف والإسراف والتبذير، لكن هذا ليس مجالاً لأن نفيض فيه، وإنما أذكر هذه القصة.

كان عند المعتمد بن عباد زوجة وبنات في النعيم والترف والقصور والحبور، وفي يوم من الأيام اشتهت زوجته أن تخوض في الطين -لاحظ أذواق المترفين- فهي عندها كلُّ الطعام، والشراب، والفراش الوفير، وأشياء كثيرة كل ما تريده موجود، لكن جاءتها رغبة، قالت: أريد أن أحمل قربة على كتفي وأخوض في الطين!! لكن أين الطين؟! قام المعتمد بن عباد وعمل على أن يؤتى بالمسك والكافور ويُخلط بماء الورد، ويوضع طيناً على الأرض على مسافات هائلة، ويرش عليه ماء الورد، ثم أعطيت هذه القرب الفاخرة التي فيها خيوط من حرير، وصارت تحملها هي وبناتها ووصيفاتها على كتفها وتمشي في هذا الطين، فتحققت بذلك لذاتها! فهذه لذات المترفين! والمعتمد بن عباد قلت لكم: إنه مات في أغمات، وبناته كن في الأطمار البالية، لا تكاد تجد الواحدة ما يستر سوأتها وعورتها، فلما رأى هذا المشهد وكان شاعراً فحلاً، قال أبياتاً كثيرة يتذمر فيها من حاله ومآله، ومن ضمن هذه الأبيات: في ما مضى كنتُ في الأعياد مسروراً فساءك العيد في أغمات مأسورا ترى بناتك في الأطمار جائعة يغزلن للناس ما يملكن قطميرا بَرَزْنَ نحوَكَ للتسليم خاشعةً أبصارُهنَّ حسيراتٍ مكاسيرا يَطَأْن في الطين والأقدام حافية كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا تذكر الوضع السابق! الآن صارت تطأ في الطين فعلاً وأقدامها حافية.

مَنْ بَاتَ بَعْدَكَ في مُلْكِ يُسَرُّ به فإنه بات في الآمال مغرورا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015