القسم الثاني: زوال دولة: مثلاً: بلد إسلامي أهله مسلمون، حَكَمَتْهُم دولة، ثم خلفتها دولة أخرى لم تغير من شرائع الملة شيئاً، ولا من رسوم الدين شيئاً يذكر، وبقي الإسلام حاكماً مهيمناً، لكن تغيَّر الأشخاص، وتغيرت الأسماء، وتغير نمط الحكم، وهذا هو الكثير الغالب.
مثلاً: زالت دولة الخلفاء الراشدين، وخلفتها دولة بني أمية، ثم زالت دولة بني أمية، وخلفتها دولة بني العباس، وزالت دولة بني العباس، وجاءت دولة المماليك, وزالت دولة المماليك، وجاءت دولة الأتراك، ثم زالت دولة الأتراك وجاءت دول الطوائف، فأصبح كل بلد منفرداً بحكم خاص، فهذه ليس فيها زوال الملة -غالباً- وإنما فيها زوال الدولة.
ولا شك أن زوال الملة هو الأخطر، ولذلك كثر بكاء الشعراء على الدول التي خرجت من بلاد، وتحولت تلك البلاد إلى بلاد الكفر، كالأندلس -كما ذكرت- وقريبٌ منها فلسطين، فأن اليهود احتلوها، وكادوا أن يفعلوا بها كما فعل النصارى بالأندلس، ولذلك سماها بعض الشعراء أخت الأندلس، يقول: خلتُ فلسطين من أبنائها النجب وأقفرت من بني أبنائها الشهب طارت على الشاطئ الخالي حمائمُه وأقلعت سفن الإسلام والعرب يا أخت أندلس صبراً وتضحية وطول صبر على الأرزاء والنوب ذهبتِ في لجة الأيام ضائعة ضياع أندلسٍ من قبل في الحقب وطوحت ببنيك الصيد نازلة بمثلها أمة الإسلام لم تُصَب وهكذا ما كان يحاوله الروس في أفغانستان، فإنهم لم يكونوا يحاولون تغيير الدولة، بل كانوا يحاولون تغيير الملة، وإبادة خضراء المسلمين وهدم المساجد على رءوس المصلين!! وهكذا فعلوا أو حاولوا أن يفعلوا في عدن؛ فإن الشيوعية حين احتلت عدن لم يكن حكماً بديلاً عن حكم، بل كان ديناً بديلاً عن دينٍ وملةٍ أخرى.
ولذلك قضوا على الإسلام فيها قضاءً مبرماً، أو كادوا، وعلقوا جثث العلماء والمشايخ على الأعواد في الميادين العامة، وهتكوا الأعراض، ومنعوا الدروس وحِلق العلم، حتى حصل من أمرهم ما حصل، ومع ذلك فالإسلام يتمرد على هذه القيود، وينتفض مرة بعد أخرى، كما نلاحظ في أفغانستان، وفلسطين، وعدن، بل حتى في أسبانيا؛ فإن الذين يزورون بلاد أسبانياالتي كانت تسمى: الأندلس يذكرون أن الإسلام الآن بدأ ينتعش فيها من جديد، وبدأت النشاطات الإسلامية فيها على قدم وساق، وظهرت مراكز إسلامية في عدد من مدن أسبانيا.