موقف المسلمين من الشريعة

القسم الأول: هم المسلمون الذين قبلوا هذا الشرع، ومعنى الإسلام: هو أن يعلم الإنسان بقلبه وجوب الإذعان والانقياد لحكم الله عز وجل، فلا يكفي أن يعلم فقط، فهناك من يعلم وجوب الإذعان ولكنه لا يذعن، فلا يكفي أن يعلم وجوب الإذعان؛ حتى يضيف إليه نية الانقياد والاذعان لحكم الله عز وجل متى علمه، فينطوي قلب المسلم على الطواعية لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم في كل حكم متى استبان له هذا الحكم، فلا يكون بينه وبين تنفيذ الحكم والعمل به إلا العلم، فمتى علمه نَفَّذَه.

إذاً: الإسلام مكون من ركنين: الركن الأول: هو النية وهي عمل القلب.

الركن الثاني: هو عمل الجوارح من القول والفعل، فمتى تخلَّف أحد هذين الركنين بالكلية، يكون الإنسان الذي تخلف عنه الركن كافراً بلا شك.

فمثلاً: لو أن إنساناً قال: إنني أعلم وجوب الإذعان لله والانقياد له بالطاعة، ولكنني لا أمتثل لذلك، أو قال: أعلم وسأمتثل؛ ولكنه لم يمتثل أيَّ أمرٍ من الأوامر الفعلية أو القولية على الإطلاق، فلم يقل قولاًَ يرضي الله، ولم يفعل فعلاً يرضي الله البتَّة؛ حينئذٍ نقول: إن هذا الإنسان قد خرج من الإسلام! لماذا؟ لأن الشهادة وهي: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله) هي قول اللسان، هي قول، فهي نطق، فهي فعل إذن، وقد تخلفت عن هذا اللسان؛ لأننا قلنا: إنه لم يفعل فعلاً بالكلية مما أراده الله، ثم لم يُصَلِّ، وقد ذهب كثير من العلماء إلى أن تارك الصلاة بالكلية يكفر ولو أقر بوجوبها، إذاً من تخلف عنه العمل بالكلية فهو كافر؛ لأنه تخلف عنده ركن أساس من أركان الدين والإسلام والإيمان.

كذلك لو تخلف عنده الركن الثاني وهو النية وعقد القلب، فهو كافر أيضاً ولو عمل بجوارحه، مثال ذلك: أن يقول إنسان من الناس: أنا لا أرى وجوب طاعة الله، ولا وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا وجوب الإذعان والانقياد لهما، ولكنني أرى أن من المصلحة أن أمتثل الشرع -مثلاً- يرى أن صلاح المجتمعات الإسلامية مرهون باتباع الشرع؛ لأن الناس يمكن أن يذعنوا كلهم للشرع، فمن هذا المنطلق يرى اتباع الشرع، وقد تجد بعض الناس يقول لك: إنني لا أرى وجوب الصلاة -مثلاً- ولكن يصلي، لماذا يصلي وهو لا يرى وجوب الصلاة؟ لا يصلي لله ولا طلباً لما عند الله ولا خوفاً من عقاب الله، لكن يصلي؛ لأنه يقول: إن الصلاة تعطي الإنسان مكانة اجتماعية؛ فأهلك وجيرانك وأقاربك حين يرونك لا تصلي لا يهتمون بك، ولذلك أنا أصلي لهذا السبب فقط، أو يقول: إنني جربت الصلاة ووجدتها تساهم في ضبط وقت الإنسان بصورة جيدة، فيصلي حتى يحصل على هذه المصلحة، أو يصلي من أجل الرياضة، أو من أجل أي هدف آخر؛ المهم أن الباعث على فعل هذه الشعيرة أو غيرها ليس هو الباعث الديني الإيماني، إنما هو باعث آخر لا يمت إلى الإيمان بصلة، فحينئذٍ نقول: إن هذا الإنسان أيضاً غير مسلم؛ لأنه تخلف عنده الركن الآخر، وهو الأساس من أركان الدين والإيمان والإسلام، وهو انقياد القلب وطواعيته وإذعانه.

فالإسلام: أولاً: العلم بوجوب الانقياد والإذعان والاستسلام لله عز وجل.

وثانياً: نية الانقياد والإذعان لله عز وجل.

وثالثاً: عمل الجوارح الذي هو الترجمة العملية لهذا الإذعان والانقياد المستتر في قلبك، هذا هو الإسلام.

والمسلم وإن كان مذعناً منقاداً قد يقع منه الخطأ، ولكن المسلم وهو يخطئ يعرف أنه عبد وأن الله ربه؛ فلذلك إذا بدرت منه المعصية قال: يارب! إني أذنبت ذنباً فاغفر لي، فيعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، فهو مسلم حتى وهو يعصي، ولذلك روى الإمام البخاري في صحيحه في كتاب التوحيد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن رجلاً ممن كان قبلكم أذنب ذنباً أو قال أصاب ذنباً فقال: يا رب! إني أذنبت ذنباً أو أصبت ذنباً فاغفره لي، فقال الله عز وجل: أَعَلِمَ عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به؟ قد غفرت له! ثم مكث ما شاء الله، فوقع في الذنب مرة أخرى، فقال: يارب! إني أصبت ذنباً أو أذنبت ذنباً فاغفره لي، فقال الله عز وجل: أَعَلِمَ عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ به؟! قد غفرت له، ثم مكث ما شاء الله، فأذنب مرة ثالثة، فقال: يا رب! إني أصبت ذنباً أو أذنبت ذنباً فاغفره لي، فقال الله عز وجل: أَعَلِمَ عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب؟! اعمل ما شئت فقد غفرت لك} والحديث في صحيح البخاري كما ذكرتُ.

فالمسلم لا يخرج من الإسلام حتى وهو يخطئ ما دام مقراً مذعناً منقاداً، إذا لم يقع في مُكَفِّرٍ يُخْرِجُه من الإسلام بالكلية، والمكفِّراتُ معروفةٌ، وشأنها معروفٌ، وشروطها معروفة، وهذا هو الموقف الأول من مواقف الناس تجاه هذه الشريعة المحكمة، وهو موقف الإذعان والانقياد والقبول.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015